- أمـــة محمد صلى الله عليه وسلم كلها تدخل الجنة..
في سن المرهقة في كتّاب القرية..
بلغت هذه الجملة مسامعي وأنا أسترق السمع قرب باب مقصورة شيخي حفظه الله
وهو يحدث أحد أقرانه، كأنه يهمس في آذانه خشية أن يسمعهما أحد، كأنه يلقنه سرا
من أسرار الماسونية...
- اسمع.. لا يليق بنا أن نلقي بهذه الأحاديث على العامة من الناس خشية أن يفتنوا ويقعوا في الذنوب..
- طبعا أنت محق، خاطبوا الناس على قدر عقولهم..
كنت أنصت وأتساءل وأربط ذلك بنفسي وما أنا عليه..
أول تساؤل بدر إلى ذهني:
- هل أنا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟؟؟
التوى فمي يمنة ويسرة كأنه يعبر عن حيرة بعدما تذكرت اكتشافتي الأولى للمراهقة.. تتبع خطوات البنات
والمشي خلفهن من الثانوية إلى المنزل، شيء من التدخين، التسلل إلى الهوائي المقعر ليلا وتوجيهه ناحية قمر الطائر الساخن..
تذكرت كل ذلك وغيره، وتذكرت أنني أيضا أصلي رغم بعض التهاون وأفعل بعض الطاعات كما علمني والدايَ:
لكنني لم أستطع أن أجزم أنني من هذه الأمة، وقسما لو جزمت آنذاك لأطلقت العنان لنفسي لتعيث في نفسي فسادا..
ابتسمت وقلت:
- أنا من هذه الأمة بدون شك، لكن ليس هنالك ضمان يطمئنني حتى أفعل المنكرات بكل حرية.. وحتى ولو أيقنت
أنني من هذه الأمة، من يضمن لي أن أستمر فيها...
استمر الشيخان بالحديث وأنا أسترق السمع لدى الباب.. بدآ بمراجعة بعض الأحدايث النبوية على صاحبها الصلاة والسلام
- ما يزال العبد يذنب فيستغفر فيذنب فيستغفر والله سبحانه وتعالى يغفر له، علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب قد غفرت له.
كان حديثا غريبا جدا..
- واووووووه، ما هذا، كل هذه المغفرة والرحمة ونحن لا نعلم.. أذنب وعد، ثم أذنب وعد... إلخ ما شاء الله.
ابتسمت ودار مخطط إجرامي في رأسي لأيام، مجرد مناورات، تعرضت ابتسامتي واشمخرت، أحسست أنني أقود سيارة
بأقصى سرعة، أقترب من المنعرج، وقبله بأمتار أدير المقود في يدي وأعود من حيث بدأت..
حككت أنفي بسباتي، أغمضت عيني اليسرى ثم تساءلت:
- ماذا لو انقلبت السيارة.. يا نهار أسود..
- أيها الصعلوك الصغير.. أنت تسترق السمع ثانية..
وقبل أن تمتد يده ليضربني هربت منه إلى خارج الكتاب.. أجري بسرعة وأتخيله في أثري..
بلغت سور الحديقة المهجورة التي صارت وكرا للفساد وتواريت خلفه..
قارعة القلب في صدري، وأنفاس تتقطع تناوبا بين فمي وأنفي.. فجأة توقف كل شيء، هدأ وسكن..
وتسلل صوت أحدهم إلى آذاني.. فتحدثت في نفسي:
- لا بد أن يكون شاب وشابة خلف تلك الشجيرات.. سأتسلل إلى هناك وأنظر ماذا يعملان
حتى أتثقف وأتعلم..
اقتربت بخطى حذرة أمشي على أطراف أصابعي.. لقد كان صوت رجل، بدا كأنه يبكي..
- يا ربي.. يا ربي.. والله لا أعلم ماذا أقول في حضرتك، جئتك نادما عما اقترفت يداي..
المشكل أنني دائما أكرر ذلك وأعزم على عدم العودة، لكن الشيطان والنفس والواقع المرير..
أعرف أنك تغفر الذنوب جميعا، وأعرف أن هذا الذنب الذي اقترفته لا يمكن أن يكون أعظم من عفوك
ولكني يا ربي خائف، أن يحيط بي من كل جانب ولا أجد الطريق إليك، فأغفل عن التوبة.. يا ربي أجرني..
وبدأ الرجل ينشد ويبكي:
بك أستجير ومن يجير سواك ......... فأجر ضعيفا يحتي بحماك
لم أفهم شيئا، الرجل وحيد ومتأثر جدا، بدأت أفكر في الذنب الذي ارتكبه.. فكرت وقدرت:
- لا بد أنه عملها كبيرة جدا.. واوووه، أظنه أكل خنزيرا في يوم الجمعة من رمضان وقت الصلاة..
أظنه ارتكب فاحشة من آخر طراز...
واستمر الرجل يناجي الله ويذكر ذنبه العظيم الذي ارتكبه:
- والله يا رب، دائما أحاول أن لا أقع في ذلك، لم أشعر بنفسي، انسقت خلف هواي مع الحديث
فاغتبت الرجل... يا الله عفوك عني وعنه..
وبدأ يدعو للرجل الذي اغتابه بالخير..
أحسست أن التيار الكهربائي انقطع فجأة.. عدت إلى المنزل وكأنني لم أسترق السمع ولم أرى شيئا..
تمنيت أن يكون مجرد حلم أستفيق منه وأنا بالغ وراشد.. وكان كذلك.