تينهنان في زمن اخر..بقلمي العائد من بعيد
آخر
الصفحة
سلمى قباني

  • المشاركات: 15873
    نقاط التميز: 5660
كاتبة قصصية في منتدى القصص القصيرة
سلمى قباني

كاتبة قصصية في منتدى القصص القصيرة
المشاركات: 15873
نقاط التميز: 5660
معدل المشاركات يوميا: 2.8
الأيام منذ الإنضمام: 5709
  • 14:08 - 2013/01/15

تينهينان في زمن آخر


في زاوية من زوايا الحياة ضرب لنا القدر موعدا في المطار والتقينا.كنت هاربة من التل و كان مسافرا من الصحراء وكنا كلانا نعشق الوطن و كلانا نحب الأدب و ثلاثة أرباع حديثنا عن الروايات و الأساطير و القصص..ربما كانت أرواحنا هي التي تعارفت قبل الوجوه فوجدنا أنفسنا قد انزوينا بأنفسنا عن ضجيج العالم في ركن نرتشف فيه القهوة مصحوبة بتعب السنين التي ترتسم في أنامل اختلط فيها الحبر ببصمات الأصابع.

سألته يومها بلسان من أدمنت الأدب و أنكرت سواه موضوعا׃

-احكي لي قصة تنبع من الصحراء

أجابنيدون تفكير طويل׃

-"تينهينان"

سألته بتعجب أكبر و أنا أحاول نطق كلمة أسمعها للمرة الأولى أنا التي لي هوس بعلامات الاستفهام و المبهمات׃

-و ماهي "تينهينان"

-بل قولي من هي "تينهينان"

أعترف أني وجدت لوقع اسمها لحنا غريبا و موسيقى آسرة فقلت׃

-حدثني عنها إذن .كلي آذان صاغية

-يقولون انه في زمن بعيد كانت هناك امرأة قوية و جميلة قدمت من بلاد أخري يعتقدون أنها من موريتانيا. سارت أياما و ليالي و انتهى بها المقام في الصحراء. في هضبة تدعى هضبة "العبالسة" تبعد حوالي 100كيلومترعن مقر ولاية تمنراست .اختارت المقام هناك ربما لأنها وجدت المكان جميلا و ربما لأنه كثير الشبه بموطنها الأصلي و ربما لحاجة في نفس يعقوب!

يقولون أيضا أنه في ذلك الزمن كان التوارق -السكان الأصليون للصحراء- يعانون الأمرين من هجمات المعتدين على ممتلكاتهم و لكنهم بدل المواجهة كانوا يقدمون لهم ما يشبه الضرائب ليأمنوا شرهم ففي عرف الضعفاء الاستسلام أسهل بكثير من رفع السيوف.

في هذا الزمن المليء بالخوف و الرعب و الدماء جاءت هاته المرأة التي تحمل اسم "تينهينان" و لما رأت هاته الحالة تحركت في قلبها النخوة و أنكرت على الرجال جبنهم و في غمرة حماسها و غضبها جمعت جيشا من النساء سارت به تاركة ورائها الخوالف قاعدين.

بجرأة لا تجدينها كثيرا في بلاد "للرجل وحده حق الحل و الربط فيها" على رأي أمي .بهاته الجرأة واجهت تينهينان الغزاة المعتدين و حينما تواجه الجمعان ارتأى القادة أن يخرج من كل فريق أكثر الفرسان شجاعة و يكون فوز الفرد نصرا لجيشه بأكمله و هذا حقنا للدماء و تم الأمر. كانت تينهينان ممثلة عن جيشها و حامية لكرامة النساء. يقولون أن القتال كان عنيفا و أن النصر في النهاية كان لأصحاب الحق و عادت هاته المرأة لهضبة العبالسة و قد صنعت لها و لمن رافقها هيبة و خوفا في نفوس الأعداء و حسرة و ندما في قلوب الرجال الذين لخجلهم غطوا وجوههم و مازالوا حتى اليوم يفعلون هذا ربما اعتذارا منهم عن معركة اختاروا أن يلزموا فيها الحياد.

عاشت هاته المرأة الأسطورة عزيزة بين قومها كبيرة في نظرهم إلى أن ماتت. فبنوا لها ما يشبه القصر و حنطوها و دفنوها هناك و يقال أن قبرها اكتشف في مطلع القرن العشرين من قبل مؤرخ فرنسي زار الصحراء آنذاك.وهاهي حتى الآن تعيش في أروقة التاريخ وعلى السنة أبناء الصحراء.

حين أتم حديثه وجدتني كطفلة صغيرة أريد أن أطلب منه المزيد. وجدتني أقر كم هي رائعة "تينهينان"هاته المرأة التي تشعر في حضرة ذكراها وحدها بالرهبة فكيف الحال إذا قابلتها وجها لوجه. وجدتني اعشق جرأتها أذوب في شجاعتها. أتمنى لو أتقمص شخصيتها لو يمكن أن تكون نظرية تناسخ الأرواح حقيقة فأكون في القرن الواحد و العشرين تينهينان في زمن آخر و بأحلام أكبر!

كل جملة قالها استوقفتني طويلا. غريب كيف تصبح امرأة قضية و تراث شعب بأكمله. لأول مرة تربكني أسطورة. لأول مرة أتجنب أن أتأكد من مدى صحتها و أبحث أنا المهووسة بالتاريخ عن جذورها في الكتب أو في محركات البحث الالكترونية. لسبب ما كنت أريد لهاته الأسطورة بالذات آن تكون حقيقة.

و لا ادري لماذا و أنا في المطار على بعد خطوات من طائرة ستأخذني لمدينة أخرى قررت العودة و البحث عن قصتي هنا أو ربما عن قضيتي! أنا التي كنت يومها أسير نحو مدينة الضباب. أبحث لي عن قبس الهام تحت سماءها الرمادية. عن امطارتجدد روح الكتابة لدي. كنت متعبة من الروتين فإذا بي أدرك أن الوطن يفتح لي ذراعيه وان التجديد ينبع من أرض "البيضاء" التي تعودت دائما على العطاء.

كنت كاتبة هاوية تبحث عن الإلهام و كان هو كما يسمي نفسه "كاتبا مسافرا إلى المستحيل" تاركا وراءه ماضيه ليبحث عن بداية جديدة ليبحث عن تسويق لرواية أسماها "أحلام مع وقف التنفيذ" أحسبه كتبها بدموعه هو الذي تقرأ الحزن في عيونه كلما نظرت إليه. و في منتصف الطريق التقينا ليحكي لي عن "تينهينان" ! يومها كالمسحورة أجلت رحلتي و عدت معه لأكون دليله السياحي ومرشدته لأهم و أكبر دور النشر و لأكون أيضا تلميذته لأرى معه أين سيتخذ الحوت سبيله في البحر ...

و لأقرر بعدها أن رحلتي القادمة ستكون لتمنراست لصحرائنا الحبيبة حيث كل حبة رمل تهمس لك بقصة تصلح لأكثر من رواية..

حيث كل نخلة تتعانق فيها الأصالة و الشموخ..

حيث كل وجه تلتقيه ينطق بالبساطة حيث كل شيء كل شيء يزيد في عشقنا للوطن ...

على الهامش

هل كان علي أن أكون من الصحراء لأكتب عنها

و آن أسكنها لأحكي عن تراثها

أقول أن تكون جزائريا يعني أن تستطيع الكتابة عن أي شبر من الجزائر

و آن تعيد للأذهان أي صفحة من تراث الجزائر

تحيات عاشقة للوطن


 تينهنان في زمن اخر..بقلمي العائد من بعيد
بداية
الصفحة