حكاية تعود أحداثها للحرب العالمية الثانية, حكاية جندي من جنود الحلفاء الذي حالوا إيقاف و وضع حد لأطماع دول المحور بزعامة ألمانيا النازية...
عندما نسمع تسمية جندي أول ما صورة تخطر في بالنا هي صورة جندي في منتصف العشرينات, حلمه الدفاع عن الحرية و السعي للإيقاف قوي الظلام قبل إن يسيطر الحقد و الكراهية على العالم, لكن هذه الصورة ما هي إلا صورة خيالية, فالحرب كان جنودها هو شباب في مقتبل العمر فأغلبهم لم يتجاوز السابعة العشر, دفع إلى مشاركة في حرب لا يعرف أسبابها أو أهدافها, فقد تم تجنيد شباب أن لم نقول أطفال في عمر المراهقة, أقحموا في حرب دون أدني تدريب عسكري, كانت الحرب بالنسبة لهؤلاء الشباب كرحلة مجهولة المعالم قد تجعل منهم أبطال أو قد تجعل منهم أموات أو كما يحلوا لجنرالات الحرب تسميتهم بشهداء الوطن, رغم أن أغلبهم قتلوا في أوطان ليست بأوطانهم...
من بين هؤلاء الجنود الذي شاركوا في الحرب نجد جنود مغاربة, من بين هؤلاء كان هناك شاب في السادسة عشر من عمره يدعي إسماعيل الذي ينحدر من قبيلة من قبائل الأطلس المتوسط, رغم انه كان قصير القامة ضعيف البنية إلا ان الجنرالات الفرنسية جندوه رفقة شباب أخريين, لم يخضعوا لأي تدريب بل اكتفوا بتوزيع بندقية و جلباب لكل جندي, ليتم نقلوهم لأقرب ميناء بحري, حملوا في شاحنات كأنهم أبقار سوف يتم تصدرها إلي ساحة المعركة, كان الخوف هو الشعور المسيطر و إسماعيل لم يكون الاستثناء...
وصل الجنود المغاربة للأراضي الفرنسية, حيث توقف المركب في ميناء في جنوب فرنسا, ليتم نقلهم عبر القطارات إلي شمال فرنسا الذي كان تحث الاحتلال النازي, رغم افتقارهم للتدريب أو الخبرة العسكرية تم الدفع بهم في الجبهة الأمامية, وسط الغارات الألمانية تمت محاصرة عشرون جندي مغربيا بينهم الجندي إسماعيل, الجميع ظن أنها النهاية هنا حاول الشباب المحاصر إيجاد حل لهذا المأزق المميت, فتداول بعضهم فكرة الاستسلام, و هنا تسأل البعض عن رديف كلمة استسلام باللغة ألمانية ربما لحسن حظهم كان بينهم أحد الضباط الفرنسيين له دراية باللغة الألمانية, فعرف لهم كلمة استسلم ب Übergabe فحاول الجنود المغاربة حفظ هذه الكلمة ربما قد تبقيهم أحياء لبعض الوقت, من بينهم إسماعيل الذي استسلم لخوفه و بدأت كلمات تخرج من فمه دون إن يعي ما يقول فقد أغمض عينيه و ينادي "وا إما نو ... وا إما نو" بصوت خافت و معنى كلمته هي "يا أمي يا أمي"...
مرت ساعات الحصار طويلة و فجأة قام الألمان بالهجوم على الخندق الذي يختبئ فيه الجنود, هذا الهجوم دفع الجنود المغاربة للتراجع إلي الخندق الموالي, لكن دون إسماعيل فخوفه جعل أقدامه تتجمد, و إذا به يجد نفسه وسط الجنود الألمان الذين اختبئوا بدورهم في الخندق ليجددوا حصارهم, لم ينتبهوا للوجود إسماعيل فقد غطى الوحل وجه, و هو بدوره لم ينتبه أصلا لتواجد الألمان في نفس خندقه, فهو كان مركزا على تذكر كلمة استسلم باللغة الألمانية, فجأة انطلاق هجوم أخر للنازيين على الخندق الموالي, لكن هذه المرة و بمجرد ان وصلوا لمنتصف الطريق الفاصلة بين الخندقين, تذكر إسماعيل كلمة الألمانية فصاح " Übergabe Übergabe Übergabe...." كان قصد إسماعيل الاستسلام للألمان لضمان بقاءه حيا, لكن النازيين ضنوا انه جندي من جندهم يستسلم فإذا بأصواتهم تتعالى " Übergabe Übergabe Übergabe" استسلام ما يقارب 100 من الجنود الألمان, عاد الجنود المغاربة إلى المعسكر الخاص بالحلفاء رفقة اسري يفوق عددهم عدد الجنود بخمسة مرات, هنا حاول الحلفاء استغلال هذا الحادث, و سوقه على انه إنجاز يعكس قوة جنود الحلفاء, كان الهدف من هذا الاستغلال الإعلامي زعزعة الحالة النفسية للنازيين, رغم أن ما وقع كان نتيجة صدفة لا أقل و لا أكثر...
مرت السنوات و عاد إسماعيل إلى قريته, عاد إليها بطل من أبطال الذين صنعوا التاريخ, رغم ان كتب التاريخ لم تدكر كل الحقيقة بل لم تذكر أسماء الجنود المغاربة الذين ضحوا بحياتهم وصنعوا مجدا يفتخر به الفرنسيون و حلفاءها, لكن المغاربة يذكرون إسماعيل ايمانو, فالجندي أصبح يلقب بإيمانو "يا أمي ..."

هذا تمام ما يحدث في الكرة المغربية, فاليوم و نحن على مشارف انطلاق نهائيات كأس إفريقيا, يخرج البعض ليحكي فترات تألقت فيها الكرة المغربية, و حققت انجازات كبيرة جعلت من الكرة المغربية مدرسة رائدة إفريقيا, لكن و بجرد بسيط نجد أن الكرة في بلادنا بلغة الانجازات لا تضاهي كبريات الدول الإفريقية أمثال مصر أو الكامرون, فالمغرب لم يفوز إلا بكأس إفريقيا يتيمة و الجميع يتذكر أو يعلم على الأقل إن أجريت على شكل بطولة مصغرة لقلة الدول المشاركة, هذا اللقب تم تصوره على إنه انجاز كبير غير مسبوق, و عوض السعي للعمل على تحقيق ألقاب أخرى اكتفى المسؤولين المغاربة على الافتخار بتاريخ الكرة, و افتخار بأننا أول دول إفريقيا تصل للقاء السد الافرو-أوروبي المؤهل للكأس العالم, و أننا أول من تأهل للكأس العالم بنظام الإقصائيات, و أننا أول دول إفريقيا تمر للدور الثاني للكأس العالم, نعم صحيح كنا الأول لكن هناك من حقق نفس الأمر و تجاوزه...
هل التاريخ وحده من يصنع الألقاب و الأمجاد ؟ لقد كان العرب و حضارة عربية سيدة العالم, لكن أين العرب ألان ؟ التاريخ مهم لكن ليس هو الأساس, فالعمل الجاد هو السبيل الوحيد للتحقيق الأهداف و الأمجاد, فالعشوائية السائدة حاليا قد تعطي بعض الثمار في فترات غير منتظمة لكنها تبقى نتاج الصدفة, فالنتائج أو بالأحرى التاريخ الحقيقي يصنع بالعمل المخطط له وفق أسس علمية حديثة, حيث نجد المسؤول عن التسيير الرياضي مكون تكوينا أكاديميا و علميا في أصول التسيير, و نجد المدرب و الأطر التقنية مكونا بدورها وفق نهج و مبادئ حديثة, بل نجد أن الكرة الحديث المرتكزة على العمل لم تعد تكتفي بالانتظار لاعبين قادريين على إعطاء إضافة, فقد انتقل العالم إلي صناعة النجوم لا انتظار ثمار القدر, فالتكوين القاعدي أصبح مصنع قادر على تزويد الفرق و المنتخبات بلاعبين قادريين على تلبية الانتظارات...