السلام عليكم و رحمة الله
إهداء : لكل المتواجدين في منتدى القصص القصيرة
و المتابعين لهذاالعرس الإبداعي ...
كانت الشمس قد انحرفت باتجاه الغروب تاركة وراءها خيط ضباب رمادي . وانتشر على جسد المدينة صمت و سكينة.
و نوال تمضي بثبات الى موعدها .هذه المرة هي من سيقرر ،أما الآخرون عليهم بالصمت و القبول .كفاها شروطا تعجيزية لم تجر عليها سوى ويلات الوحدة و شبح
العنوسة ..تراقب الزمن و تتساءل: ترى هل فعلا هذه الشمس يحتضنها البحر ؟؟ فتغوص في أعماقه ليسقي عطشها ، و يطفيء أشعتها الملتهبة ليحيلها الى سواد داكن .
هناك حيث يولد الليل ،هذا الليل الطويل !..تنهدت بعمق و تمنت مع قرارة نفسها لو يعود الزمن لحكت له كل ما جرى! . ثم همست لنفسها : الماضي كله شامخ على
محياك يا نوال ،يا ثلاثين خريفا غاب عنك الربيع ، على صفحة وجهك تحتضر أمواج السنين ،و في عينيك السوداوين بدأت تخبو أزمنة الشموع ..
و تصمت في الذاكرة ترانيم الطلبة في فضاء الكلية .هناك حيث بُعثرت الأجوبة الآتية من سراب العمر الشقي ، و حديث الحي عن ذاك الحب الذي عمر القلوب ...
المرأة الثلاثينية و الرجل الخمسيني و العلاقة المرتقبة . لا يهم هذه المرة ستترك للصدفة أن تقرر ما لم يستطع العقل و لا التبصر و لا الحكمة أن تسطره بنجاح ..
بل ستجرب مهاراتها العاطفية . لم تكن محض نزوة عابرة ذاك المساء حين ظنت أن للعاطفة و الأحاسيس أحيانا دورا في نسج علاقات ناجحة . كانت تخطو بثبات
و عزيمة و رصانة ، و هي تحمل على كتفها حقيبتها الجلدية ، و في قلبها يكبر الأمل . لم يعد في حياتها ما تخسره . هناك و في عقر داره ستكون صريحة معه .
ستحكي له بصدق . ستنزع ثياب الحيرة حتى آخر قطعة ، و ستنتشر كسحابة صيف على ذاك الأديم فتحضنه بقوة هستيرية ، و يكون هو واقفا على صرح حقيقتها .
ها هنا، يلتقي بها الرجل عند ملتقى الطرق . الزمن مندفع ، موحش و هو يلتهم كل الأساطير! . بتلك النقطة حين حياها بحرارة تحمل نسائم بلسم العشق العظيم ،
أحست أن الزمن توقف عند أروع تاريخ في حياتها . فمشيا جنبا الى جنب . كان أقل منها حجما و هما يخطوان بتثاقل صوب داره .
هناك، و بأحد زوايا مكتبه جلسا و هما يتابعان حديثهما حول الحياة و موضوع اللقاء . تبادلا نظرات ساخنة و كلاما حلوا . بعد أن استجابت الخادمة لطلبيهما
من المشروبات ، أحس الرجل أن لهذه المرأة لونا أنثويا متفردا و لها عبق الزهور!!. ود و هو ينظر الى الوجه الصبوح ، لو عاد التاريخ الى الوراء لكانت من هنا البداية .
بداية عشقه ، لأن زوجته لم تكن سوى رغبة والديه التي لم تسعده في حياته .اقتنع أخيرا أن العرافة التي أخبرت أمه ذات يوم ، لم تكن سوى غيمة بيضاء لم تلد غيث الفرح .
و أن الزمن يحمل بين طياته الحلم كما يحمل الألم .
أما هي ظلت تنظر اليه و كأنها تراوده !. فتكلمت عن الحب و عن دروب حياتها ، و عن حسبها و نسبها ، و عن تلك اللحظة التي رأته لأول مرة .
قالت من تلك اللحظة أحست به كطفل يداعب ذكريات زمن هارب كي تسقيه أملا ، أحست بلهب عنوسة غامضة في خلجاتها ..و هاهي الآن جاءت مستجيبة لدعوته و لمضامين
رسالته .
الرجل يغرز فيها عينيه . رزنامة أفكار تداعب خياله !..أنوثة مغرية هكذا ردد في أعماق نفسه، فأعلن ميلاده المجنون ،و انسل من ثقب الحديث ، فوقف قبالتها مؤكدا
أن بداية الحب غالبا ما تكون كأساطير رمادية . تمنى مع قرارة نفسه لو تداعى الظلام دفعة واحدة ،على هذا الركن فتراه قمرا واقفا على عتبة تاريخ هذا العشق العظيم .
قبض على يدها بقوة، فهمس همسة منهزم في ساحة وغى العشق . باح لها و لأول مرة بحبه ، ثم قال و هو يرتجف بين يديها : دعيني أعترف بكل شيء . فاعترف ...
بينما سِحْرُ الحديث مسترسل بين القلبين ، أشار الرجل الى الصورة المعلقة على الجدار المقابل مؤكدا أنها لابنه الذي مات في الغربة. حملقت نوال جيدا في الصورة فوجدته هو .
دون شعور عادت بذاكرتها لتلك الأيام ، أحست و كأن الزمن هو زمن البارحة فقط . مر عقد من الزمن على حبهما و على وُعوده بالزواج منها.
انتظرته لكنه اختفى نهائيا و لم يعد له أثر . دخلت بحر الذكريات فبدأت تتقاذفها أمواجه العاتية . إنه حقا حبيبها الذي أحبت . آآه ..كم هي قاسية هذه الذكرى!! هكذا قالت ساحبة
تنهيدة من أعماقها.
و ها هي يد تمتد لتزيح ستار غيابه . بدا عليها لون ارتباك ،ساد الصمت المكان. تغيرت ملامحها و هي تستعيد شريط الحبيب المفقود، دون شعور أجهشت باكية .
بكت بحرارة و بشكل موجع حظها العاثر. فانهارت كما ينهار الحائط امام سيول طوفانية في ليلة ظلماء . في ذهول تاه الرجل أمام هذا التحول المفاجئ/اللغز .
و في حيرة تساءل: كيف لامرأة في عمر الزهور أتت ملبية نداءه من أجل الزواج ، أن تُحَوِّلَ الفرحة الى محطة للأحزان و الوجع ؟؟...هنيهة استفاقت نوال من غيبوبتها ، أخذت
حقيبتها و دون استئذان و لا كلمة وداع، خرجت تجر ذيول خيبتها ، أما الرجل وقف مندهشا و بدون حراك !!!...
بقلم : زهرة |