اود اولا ان اعبر عن اعتزازي بتواجدي مع اخوة اعزاء وكتاب مميزين في مجموعة الشعلة والتي اتمنى ان تشعل وتلهب المنتدى بمواضيع في المستوى من قيمة مواضيع الأخ عزيز (عزيزوف عسكرينوف) والأخ الرائع محمد (حديث الأقلام) والرفيق الفايسبوكي جابر (SEDSALHAB) والمميز يونس (youness moussa)، كتاب مميزين واصحاب أقلام رائعة اتشرف بالتواجد معهم لأستفيد من حملوتهم الكتابية الغنية

فين غـاديا بينـا أكوورة...!
لا اعرف ان كـان منكم من مر من السكن الداخلي خلال احدى مراحله الدارسية، لكن شخصيا افتخر كوني مررت به في مرحلة الثـانوية، ومـازلت اتذكر اننـا حينمـا نحس ان اجسادنـا بدأت في النحافة وتبدو هزيلة فأننا نثور في وجه الحـارس العـام والمدير وحتى في وجه الجمعية الوصية على امل ان يجودو علينـا بحبيبات أضافية من الحمص فيمـا كـان يسمى 'حريرة' ظلمـا وعدوانـا، او احيانـا كأس 'دانون' في الفترة المـسائية وفي افضل الأحوال دجـاجة محمرة مقسومة على ثمـانية اشخـاص كل يوم جمعة الذي كـان يوم عيد عندنـا حيث اخيرا سوف سنتناول شيئ يشبه الطعـام عوض الأقتات من قطع لحم تبدو كالبلاستيك، ولكي نحقق هذا النجـاح والأنجـاز ونحسن من البرنامج الغذائي في الداخلية كـان علينـا خوض نضالات ورفع الشعـارات ونقاطع الدراسة إلا ان يتم الإستجابة لمطالبنـا المشروعة، ومـازال صدى تلك الشعـارات مدوي في اذني خصوصا ذلك الذي كنا نقول فيه : ''إلى متى سنبقى هكذا ...!هكذا...! لعبة في أيدي الأذى ...! الأذى!''، شعـارات كثيرة اخرى كنـا نرددهـا في وجه المدير 'الله يذكرو بيخير' لكن هذا الشعـار هو الذي أستحضره حينمـا احـاكي هذه اللعبة المجنونة التي تسمى الكرة. فأن كنـا في مرحلة الثانوية نردد ذلك الشعـار من اجل تحسين الوضع احياننا،غذائي كـان او رفاهي او احايين اخرى لنيل يوم راحة، فيكون ذريعة لمقاطعة الدراسة عنوة على الأدارة، فإنني اليوم اجد لسـان حـالي يقول ويردد بإستمرار ' إلى متى سنبقى هكذا هكذا لعبة في ايدي الكرة..الكرة' ،نعم لعبة في ايدي الكرة حيث ان هذه اللعبة لم نعد نحن من يلعب بهـا انمـا هي التي تلعب بنـا وتقدفنـا من هنـا إلى هنـاك وإلى هنالك، هذه الجلدة الملعونة اصبحت تفعل فينـا مـا تشاء تحزننا تارة وتسعدنـا تارة اخرى تتحكم في مزاجنـا في نفسيتنـا وفي كـل مـا يحيط بنـا، لدرجة انهـا اصبحت قـادرة على ان تصنع لنـا اعداء او احبـاب ان اقتضى الحـال، لا نعرف كيف تسلل حبهـا إلى قلوبنـا عنوة عن ارادتنا وفي غفلة من وعينا حتى اصبحت هذه اللعبة اهم من اي شيئ في حياتنـا اهم من عملنـا اهم حتى من حياتنـا الخـاصة، انهـا حديثنـا في كل المجـالس وشغلنـا الشـاغل في كل المناسبات،انهـا حالة ادمـان حادة قد تتجـاوز خطورتهـا حالات الأدمـان الأخرى، فالكرة في البيت وفي العمـل وفي السيارة وفي الطريق وفي المقهى وفي الملعب وفي الجريدة و على الأمواج الأنترنيتية.. كل شيئ كرة كرة لا شيئ غير الكرة ننـام على وقعهـا ونستيقظ على نغماتهـا وكذا نقضي اليوم على ايقاعاتهـا.
كرة القدم لم تعد مجرد لعبة في مخيالتنـا بل هي شرف الأمة وعلامة التفوق والتميز البشري، لقد ذهبت بنـا إلى أبعد نقطة ممكنة إلى نقطة يصعب فيهـا التحكم في مزاجنـا ومشاعرنا واعصابنا عندمـا نشـاهدهـا او حتى عندمـا ننتظر لقـائهـا، نقطة يبدو اننـا فقدنـا فيهـا كل سبل العودة لنقطة الأنطلاقة فقدنـا البوصلة وتهنـا في بحرهـا وسفينتنـا دمرتهـا امواجهـا العاتية،تصورو معي الحـالة التي نكون عليهـا عند انتظارنـا وترقبنـا لمبارة منتخبنـا الوطني الأعصـاب مشدودة والضغط مرتفع و'حتى الكرش تتحس بهـا تترعد' امـا نبضات القلب فأنهـا تدق كمـا يدق الطبل يوم العيد لدرجة انك تشك في وجود مهرجـان منظم وهو في ذروته وعزه بلا علمك او تخشى ان تكون احدى الضربات تلك اخر ضربة لقلبك الأسير في شبـاك هذه المجنونة،فأن كـان اللقاء بعد شهر او حتى بعد مدة اكبر بكثير فأن الحديث لا ينقطع على الإستحقاق الكروي المرتقب، نتدخل في عمـل المدرب ونتابع الأخبـار بشراهة ونصاب بالأسى والأنهـيار عندمـا نسمع ان اسدا قد اصيب وتبتهج قلوبنـا عندما نسمع عن اخر قد احرز وسجل.
حـالة اراهـا مرضية بإقتدار فهذه الكرة سيطرة على كل احـاسيسنـا لا نستطيع ان نعلن إستقلالنـا الذاتي عنهـا فقد أصبحت جزء منـا لا بل نحن جزء منـها فمن نحن امامهـا، تصور عندمـا يتعرض منتخبنـا لهزيمة او حتى احد انديتنـا على المستوى الخـارجي فكأنمـا سيف بتار او سهم مريش ينفذ لأكبادنـا فيصيبهـا اصابة بليغة لدرجة انك تحس ان جسدك يرتجف بالكامل وقد ترغب بالأختلاء بنفسك لمدة طويلة قد تصوم فيهـا عن الكلام حتى مع الأهل والأحبـاب ففريق الوطن قد تعرض لمصيبة والبلد في نكسة وحداد، قد يكون حزنك اعظم من حزنك على اي شيئ اخر قد ترسب في الامتحـان او قد تخسر اي شيئ مهم في حياتكـ، قد يفقد بلدك شيئ مهم واهم لكنك لن تحزن كمـا تحزن عندمـا يخسر منتخبك الوطني وليس اي منتخب بل منتخب كرة القدم فقد نتقبل الهزيمة في كرة اليد في الطائرة في التنس في أي شيئ اخر إلا هذه الملعونة وكأنهـا مسألة حياة او موت، وكل هذه الأشياء اتحدث عنهـا من خلال تجربة شخصية ،فبدوري لا انفك اتعرض لأزمـات وعواصف احزان عندمـا يتعرض منتخبنا الوطني لأي خسـارة خصوصا في مباريات رسمية امـام كل الأضواء والأنظـار فحينهـا قد افقد السيطرة عن كل شيئ وقد اكسر اي شيئ والعن اي شيئ ...فعلا تعصب غير مرغوب ... استغفر الله العلي العظيم والله يعفو علينـا ويهدينـا.
حتى في حالة الأنتصار فأن التأثير الكروي على ذواتنـا لا ينتهي فقد نفقد الوعي ونقوم بأشياء لا تبدو اطلاقا كالمألوف للتعبير عن فرحتنـا فالأعصـاب تعمل بإرادتهـا وحسب رقصات الكرة المجنونة، امـا الشيئ المفجع هو حينمـا يتحول هذا التعصب لتراشق بين الأخوة سواء بالكلمـات او اشياء اخرى فقد نتقبل ان يكون التأثير فردي بعيدا عن التشابك لكن عندمـا يصل الأمر للإشتراك مع الأطراف فأن الأمر يصبح اكثر مأساوية.. والسبب جلدة هواء..،وكلنـا اخواني نتذكر ذات مرة حينمـا تعـادل منتخبنـا الوطني مع نظيره التونسي في كأس امم أفريقيا 2000 وسماعنا عن ذلك الخبر المفجع بوفاة احد المشجعين في احدى المدن الشرقية (وجدة ان لم تخني الذاكرة) للمملكة، وذلك بسبب محـاولة أضاعـهـا عادل رمزي ببشاعة امـام الشباك التونسية الفارغة، ومثل هذه الحالات لا تنتهي فمنذ سنة فقط سمعنـا عن مشجع اخر قضى نحبه بسبب مبارة المغرب الفاسي وانتر كلوب الأنجولي واحداث اخرى عديدة قد لا تحضرني لكنهـا حقـا موجودة فعلى المستوى العربي لا احد ينسى احداث الجزائر ومصر والعديد من الأشياء الأخرى التي توضح بجلاء وبمـا لا يدعو للشك ان كرة القدم التي خلقت للمتعة تجـاوز دورهـا لنقطة بليغة فأصبحنا نعتبرها مسألة حياة او موت بل اننـا نحيا فقط لنشـاهدها.. الله يلظف بنــا.
قد نقبل ان تتعصب للمنتخب الوطني وتفقد السيطرة عن الأعصـاب بسبب مبارياته، لكن الأخطر ان هنـاك من يفقد السيطرة بسبب البارسا اوالريال او اندية اخرى اوروبية لا علاقة لنـا بهـا فأن كـان اهلهـا يتمتعون بالمنتوج الفرجوي المعروض بعد اسبوع شـاق في العمل، فأن شعوبنا تتاقتل من اجل فراغ و اوهــام، العصبية في الكرة اصبحت حالة مرضية ولن ابالغ ان قلت انه وبـاء مرضي اجتاح العديد من الناس فرغم ترديدنا الدائم لشعـارات الروح الرياضية فأننا حتمـا نعـاني من اشياء غير طبيعية بسبب هذه اللعبة، أشياء تحتاج حقـا لعلاج لأنهـا لا يجب ان تستمر بهذه الحدة وبهذه الحمولة الحماسية العصبية، وشخصيا سبق لي ان فكرت في التخلي عن المنتدى كخطوة اولى للإبتعـاد عن العصبية الزائدة في الكرة واحياننا اتابع دوريات اوربية مثل الألماني بمـا انه لا يربطني شيئ به حتى اتابع الكرة من اجل المتعة وفقط دون تعصب وحماسة، لكن هيهات فالمنتخب دائمـا يعتبر شيئ قـاهر للأعصـاب ومبارياته عاصفة لا يمكن الوقوف في وجهـها ولا يمكنك مقاطعتهـا على الأطلاق.
بصراحة احسد بعض الأشخـاص فحتى وهم في يفعان شبابهم تجدهم لا يهتمون اطلاقا بكرة القدم حتى وان تعلق الأمر بنهـائي المونديال فلن يحرك ذلك فيهم شعرة من الحس والحماس كل همهم قوت اليوم وتسيير الأعمـال بعيدا عن هذه الأشياء التي تؤثر على صفوة الحياة، وحتى ان سألتهم عن ميسي فلن يعرفو هل هو مغني او صاحب نظرية اقتصادية ،وشخصيا اتمنى ان يأتي يوم لا اهتم فيه بالكرة مطلقـا ولا اضطر للكلام فيهـا ولا الحـاجة لمتابعة مبـاريات منتخبي لكنه يبدو يومـا مستحيلا قد لا يأتي ابدا فكويرات دمنا امتزجت بالكورة وحب المنتخب فهو بالنسبة لنـا شرف الوطن بل هو الوطن ذاته متجسد على ارض الواقع، ولن اتمالك نفسي عندمـا يقترب الموعد فجسدي يقشعر وبطني ترتعد وقلبي يرفرف الحرارة ترتفع وكل الحواس خـاشعة تنتظر بسمة قد لا تاتي ابد وتحل مكانها عـاصفة حزن وصمت رهيب...ربي يلطف.
لا اجد اي تعـابير لأعبر عن هذه الحالة اتي أصبحنـا عليهـا فكرة القدم فعلت فينـا فعلتهـا وتلاعبت بأعصابنـا وعواطفنا كمـا تشـاء، لا يهدئ روعي ويعديني إلى رشدي إلا مجموعة الأنصـار حينمـا يقولون في احدى انشوداتهم 'اغلق تلفازك وابلع اوهـامك فحتى لو فزت بكأس العـالم فعدوك قد فاز بالعـالم' امـا انـا فأكرر ما قالته الغوان 'فين غاديا بينـا اكووورة فينـا غاديا بينـا 'او على قولة الأخوة اياون 'ماني ماني، ماني زيانغ غاثاحم ماني ماني، مانزي زيانغ ثوكارم'... الله يصـاوب وصاف والله يهدينـا.

بمـا ان الكرة اصبحت اوكسجين الشعوب كمـا يقال ويردد فأن اثرياء العـالم وجهو بوصلة استثماراتهم للقطـاع الكروي بالنظر لمـا يدره من مداخيل واربـاح وبالنظر لشعبية الرياضة ومدى تأثيرهـا على النـاس وبل وأحاسيسهم، فأن اثريائنـا يفضلون مراكمة الأموال بعيدا عن كرة القدم وكم اتمنى ان يبادر احدهم ويستثمر في الكرة ليدعم الأندية الوطنية ويساهم في رقي الممارسة داخل المغرب... تبقى امـاني... وابقى انا الأسيير الكروي.

|