
السلام عليكم

قبل فترة غير بعيدة كثيرا ، والتي تؤشر لبداياتي الأولى في هكذا عالم افتراضي أخاذ ، أخذتني رحلة البحث عن مرفئ هادئ تستقر فيه سفينة فكري وحلمي وثقافتي المتواضعة ، فدخلت منتديات ومنتديات ، وراقبت كتابات ونقاشات ، وتدخلت مرات قليلة مترددة وخجولة ،خوفا من الخطأ أو سوء الفهم أو قول ما لا يجب قوله أو كتابة ما لم تجوز كتابته ،فاخترت لنفسي موقف المتفرج المراقب لكل شيء وأي شيء ، مع الإعتماد على ذكائي الضعيف للإنطلاق في عالم الإفتراض في اللحظة المناسبة وبالشكل الذي أراه يليق بمن يريد أن يكون في ما يتمناه لنفسه ولوطنه ولأهله ، وكانت بداياتي الحقيقية وللأسف الشديد بعيدا عن منتدى بلدي ولم أختر عنه منتدى بلد آخر بقدر ما استقريت بواحد يجمع البلاد كلها ، ولكن من حسن حظي أن من لفت انتباهي وشجعني فكريا وثقافيا على الإنخراط هناك هو واحد من ألمع وأروع وأعز الإخوة والأصدقاء المحترم القدير والمشرف السابق المبدع عبد العالي بسيريف وكان موضوعه الخارق الذي عنونه ب"خفافيش الظلام" واحدا من أجمل وأبلغ ما قرأت من المواضيع ولم أستطع أبدا أبدا أن أنسى ذاك الموضوع ولا عنوانه الذي أجد نفسي في أواخر هذا الليل و بدايات يومنا الجديد مدفوع من حيث أدري ولا أدري لتناول تلك الخفافيش برؤية جديدة لا تختلف في شيء عن كل الرؤى المتعلقة بذات الخفافيش...

في أواسط الثمانينات إن لم تخني الذاكرة ، دخل للبلاد واحد من ألمع الطيور المهاجرة ، والذي كانت تتوفر فيه كل مقومات الألق والإبداع في مجاله ، ولم يكن الكثير منا في تلك الحقبة يعرف الكثير عن الرجل ولا عن مساره ولا شواهده ، فإعلام ذاك الزمن كان بالكاد يعرف لاعبي ومدربي البطولة الوطنية في قسمها الأول ، بينما القسم الثاني فلا أحد يعرف غير ماندوزا المستمر أبدا مع الطاس أما البقية فمدربيها يظلون من لاعبيها السابقين أو من بعض خريجي معهد مولاي رشيد أو بعض أساتذة التربية البدنية وهكذا دواليك من هكذا أمور ،قد تبدو اليوم غريبة ولكنها في زمن الثمانينات فتلك مسألة غاية في الطبيعية ... كان كل شيء يسير وفق ما كانت تمتعنا به تلفزتنا اليتيمة من إشهارات ومسلسلات وأخبار لا أعرف كيف أصفها اليوم ولكني بالقطع لا أتمنى عودتها أبدا ، ولعل ما يوافق حال كرتنا ذاك الزمن وهنا أتحدث عن الهيكلة والتنظيم والحالة البنيوية ، فهناك إشهار كان يقول "كا يحسن بلي كاين" ههه ... وظل حالنا الكروي يسير وفق النمطية التي أعطيت بعض الإشارات عنها أعلاه ،إلى غاية تأهل منتخبنا الوطني لكأس العالم 86 ، وبعدما حقق ما حقق ، بدأت تظهر المخططات والنظريات والمواقف والإجتهادات ،وضرورة أن نرقى لأعلى الرتب ،وعلينا البقاء في القمة التي وصلناها مع جيل المهدي فاريا وووو ...

سأعود بكم للحديث عن الرجل الذي يعتبر من طيورنا الكثيرة المهاجرة والتي تعود لحضن الوطن عساها تجد الدفئ المفقود تحت شمسه الساطعة ... اسمه عبد الله الأنطاكي والملقب بعبد الله ملقة لارتباطه الأزلي وإلى اليوم مع النادي الإسباني ملقة حيث كان يلقب هناك بالذئب العربي ومازال لحد هذه اللحظة يعمل في اللجنة التقنية للنادي الأندلسي ، فقد تعاقدت معه الجامعة في بداية الثمانينات كمدير تقني وطني ، وبما أنه رجل مشبع بالإحترافية والمنهجية العلمية ، فقد وضع مخططا طموحا جدا جدا ،تتطلب منه جهدا خرافيا وتنقلات مكوكية بين كل جهات البلاد بحثا عن النوادر من اللاعبين الشباب الذي سيحققون حلمه الكبير المتمثل في ما كان يسميه "مشروع الألف لاعب" وفق شروط محددة ودقيقة ، وكان يعتمد في عمله على البطولات المدرسية والجامعية ،وكذلك دوؤيات الأحياء والبطولات الرمضانية ، والمنافسات الجهوية وحتى لو صادف مباريات في ملاعبنا التي كانت منتشرة كالفطر في الأزقة والحواري والشوارع ... كان الرجل طموحا ،مجتهدا ،صادقا ودؤوبا في عمله وحلمه ، وحقق بعضا من النجاحات وأعطى للأندية ومنتخباتنا الشابة لاعبين ممتازين ،وبعدما انتظرنا ما ستسفر عنه هذه الرحلة الخارقة للمدير التقني الوطني الرائع عبد الله الأنطاكي ملقة ، خرجت لنا في واحدة من ليالينا الإعتيادية خفافيش الظلام ،فدمرت الحلم ودمرت الرأس التي تحمل الحلم وقشل مشروع الألف لاعب ورحل عبد الله ملقة لحيث يجد من يقدر عمله وهاهو ذا مازال مستمرا مع النادي الإسباني لغاية اليوم...

في ذات الفترة من الثمانينات كنا ندخل للملاعب قبل بداية المباريات بالساعتين وربما الثلاث ليس خوفا من الإزدحام أو من أي شيء بقدر ما كنا نرغب وبشدة في متابعة مباريات رفع الستار التي كانت تجمع شبان نادي المدين ضد شبان الفريق الضيف ، فأين نحن اليوم من هكذا مباريات ؟ أما زالت توجد مباريات رفع الستار الخاصة بالشبان ؟
أين هي منتخبات المغرب للصغار والفتيان والشبان والأمل ؟ ماذا يعد اللقب الإفريقي اليتيم الذي حققتاه ذات زمن من التسعين ؟
لا يمكن للكرة المغربية أن تخطو شبرا واحدا للأمام مادامت الأندية والمنتخبات تعتمد على اللاعب الجاهز الذي تجود به السماء أو الذي يكونه الآخرون لا يمكن أبدا أن نحلم بتطور كروي في ظل الغياب الكلي للبحث والتنقيب والتكوين المستمر لشبابنا ..

سنظل دوما نبحث عن خفافيش الظلام الذين يشكلون ويعتبرون حجر عثرة في طريق تقدم كرتنا ومنتوجنا الكروي في عمومه ، وقد حان الوقت لانتشال كل الخفافيش ، فالقطار العالمي سريع جدا جدا ونحن لم نصعد بعد لأي من مقصوراته ،وبات من اللازم والضروري أن نقف في أقرب محطة عساه ينتشلنا من كل هذا التخلف الكروي الذي سببه لنا كل من تولى مهام كرتنا في كل المراكز سواء في الأندية أو المنتخبات وبشكل خاص وأخص في جامعتنا التي هي في حقيقة الأمر يجب أن تسمى مفرقتنا وليست جامعتنا

مع كل الود والتقدير لكم أيها الأفاضل |