حب أطلسي
يعاوده زفيره مرة أخرى؛ يتنهد بعمق؛ ويتحسس أعواد الحصير التي اخترقت بطانيته المملوءة ثقوبا لتحفر بقعها الصغيرة على ظهره. يعود ليتكأ على وسادته؛ متجنبا موضع البلل؛ حيث اختلط مخاطه بالعرق قبل أن تجففه تيارات الهواء الآتية من شقوق القصدير الذي بُنيت به على السطح براكتهما...
يمسك يدها؛ يتفحصها؛ وكأنه يفعل ذلك لأول مرة؛ متحسسا رطوبتها التي بدأت تتغير يوما بعد يوم؛ وخصوصا في فصل الشتاء حين تتحول مياه السواقي المتدفقة من الجبل إلى صقيع يسبب شقوقا في الأكف والأقدام؛ لكن الأخيرة تصبر لقسوته صبر اللئام لحرب الكرام...
" هي " ترخي أناملها الرقيقة بين كفيه الخشنة؛ تستمتع بقبضتها؛ كما استمتعت وهي تودع طفولتها المزهرة؛ لتستقر على أعتاب بيت الزوجية غير مكثرة لأحلام بنات جيلها في اكتساب تجارب المغامرات العاطفية؛ ولا عرفت يوما طريقا للتسلل في الظلمة لملاقاة الحبيب؛ لتتلافى عواقب الكلمات المعسولة الوهمية؛ كما تتلافى حبيبات البرد في توهج أشعة المغيب...
" هما " يتأملان جدار الغرفة وقد تألق بوسطه مصباح من زمن مضى؛ لم تعد به سوى شمعة تهوى الرقص في الظلام. صكيك النوافذ وهي تتلوى من زفرة البرد القارس ونباح الكلاب يتردد بين الجبال الأطلسية حين تنقل صداه. يزحف جسدها نحوه؛ فيقبلها هو على رأسها ويغمرها بدفئه؛ يطمئنها فتستقر خفقاتها؛ وتهوي في لجج الصمت تنهداتها...
يعيشان في غرفتهما المتواضعة أثاثا؛ على إيقاع خرير مياه صافية صفاء السنديان وهو يخضر حولهما؛ فلا تمنعهما قسوة الطبيعة من الاستمتاع بتساقط الثلج في هدوء وتوازن؛ كتوازن الأزهار وهي تختار زينة ألوانها ابتهالا بهذا الحب الأطلسي الذي جمع بينهما.
بقلمي
14-10-2012
14:47