فبالرغم من أن مفهوم الإحتراف أساسه المـال الوفير ، وأن منطقة الشرق الأوسـط من أغنى المناطق في العـالم أي بمعنى آخر هـناك مجال
خصب لكي ينجح هدا المصطلح أو بالأحرى هدا المفهوم الشامل في هذه المنطقة ، إلا أنه وخلافا لتلك التوقعات، فالنتائج كانت أقل من
المستوى المطلوب وأصبح الإحتراف مجرد وهمٍ تطارده الاتحادات العربية ويتغنى به الإعلام . والسبب في فشل التجربة في العديد من البلدان
العربيةومن بينها بطبيعة الحال المغرب ، هو المفهوم الخاطئ لتطبيق نظرية الإحتراف الحقيقي ،فبذل أن نتخذ هدا المفهوم كنهج وفـكر نتعايش
معه جميعنا من أجل تطوير عميق وإصلاح جذري للمنظومة التي يخصها ذلك الإصلاح المرغوب ...
لكن الأغلبية تعاملت معه على أنه مفهوم مبني على قواعد وضوابط يجب أن نلتزم بـها وكفى ، وهذا ما جعلنا نشاهد احترافا ظاهريا لا
غير،احتراف يشمل توفير البنيات التحتية الضخمة ،وكذا صرف الأموال بسـخاء ، وتزيين أقمصة الأندية بعدد كبير من الملصقات التجارية ، وباقي
الأمور الظاهرية التي تشمل المظهر العـام لا غير ..
بالمقابل لو نلقي نـظرة على مستوى عمق الاتحادات العربية وأنديتها سـنجد الأساليب الهاوية التي تسير بـها والطرق البالية المعتمدة تؤكد حقـا
مدى تخلف المسؤول العـربي الذي فـرط في الاستفاذة من ايجابيات هذا المفهوم واكتفى بالمساوئ .
فالتجربة المغربية مثال حي ، فالمغرب كغيره من البلدان اتخذ خطوة إلى الأمام وقرر دخول عالم الاحتراف مجبرا بعدما طالب الاتحاد الدولي بـذلك
، ويشهد للجامعة المغربية على تعاملها مع هدا الأمر بواقعية كبيرة فهي تعلم حقا حال الأندية والكرة الوطنية ، لهذا سطرت أهدافا مختلفة
ومتباعدة لولوج عالم الاحتراف بشكل كامل ، وكانت البداية مع فرض دفاتر تحملات تخص الأندية، هاته الدفاتر تحمل شروطا مهمة تمهد لاندماج
معقلن في عالم الاحتراف ولقد نجحت الجامعة في إقناع جميع الأندية ، والتزم الجمـيع وخططت الجامعة بالرفع من سقف الشروط في تلك
الدفاتر موسما بعد آخر ، حتى تمهد و تمنح الفرصة للأندية لكي تستوعب وتتشبع بالمفاهيم الأساسية لمفهوم الاحتراف ، ولقد شاهد الجمهور
تطورا ملحوظا يخص البطولة الوطنية بحيث هناك نمو سريع على مستوى البنيات التحتية ، أيضا إبرام الأندية لعقود احترافية مع اللاعبين
وبصفقات جد محترمة ، كما لا ننس الاهتمام بالنقل التلفزي وأيضا المراقبة المستمرة للأندية ، فيما تم تخصيص دعم أكبر للأندية من خلال
مساعدة بعضها في الأمور اللوجيستيكية حيث توفر الجامعة لبعض الأندية الصغيرة وخاصة أندية الهواة لوازم ضرورية حتى تشجعهم ، دون أن
ننسى الدعم الكبير لمجال التأطير من خلال تشييد مراكز التكوين في مختلف المدن المغربية، وأيضا إقامة بطولات وطنية على مستوى مختلف
الفئات ، ولقد لوحظ حقا أن هناك تطور على مستوى المنتوج المقدم داخل البطولة وأنه ارتقى إلى مستوى يطمئن ، لكن على ما يبدو أن
الاحتراف لم يشمل بعد عدة جوانب أساسية وضرورية من بينها فرض شروط ضرورية تخص مسيري الأندية ، وكدا المسؤولين في لجان الجامعة ،
فلا يمكن الحديث عن الاحتراف بينما الجهاز الوصي يعيش على وقع الهواية والفساد وأنه مهما تم تحقيق من انجازات وإنتصارات على مستوى
ماتم ذكره أنفا ، فمع ذلك يبقى الاحتراف ناقصا ، مادامت قمة الهرم تبنى على أسس غير مثينة ...
وكمقارنة للتجربة المغربية مع تجارب عربية أخـرى يبدو أن النواقص التي يعرفها الاحتراف المغربي هي نفسها الايجابيات التي تميز الاحتراف في
بعض الدول العربية ، وخاصة دول الخليج. حيث نجد أن هناك وعي فكري وتوجه احترافي لدى المسؤولين يساعد على الولوج السريع لهذا العالم
خاصة مع توفر الأندية هناك على كل ما يلزم من أجل مسايرة خطط الاتحادات المحلية ، إلا أن التجارب كانت فاشلة وذلك عائد لعدم تجاوب
اللاعب المحلي الخليجي مع تلك الخطط ، على عكس البطولة المغربية حيث أن اللاعب المغربي حينما وجد أن مفهوم الاحتراف يوفر له تقديرا
واحتراما كبيرين ومكانة مهمة، تجاوب مع هذا المعطى وبدأ يقدم عروض قوية ، إلا أنه وفي تلك البطولات المشرقية الخليجية لازال اللاعب
المحلي لم يتغير شيء بالنسبة له. فقد كان ينعم في نفس القيم المادية والمعنوية حتى قبل ولوج الاحتراف ، وكان يتمتع بجميع الشروط ، وما
زاد من فشل التجارب هناك هو تغييب جانب التكوين داخل الأندية ، ومن جهة أخرى هناك بعض الأندية التي تهتم بتلك الجوانب لكن الطرق
وأساليب التكوين لا تتماشى مع ما يختزنه اللاعب الناشئ من موروث هاوٍ جدا ، دون أن ننسى رغبة الأندية في تحقيق النتائج بأسرع ما يمكن
معتمدين على المال الذي كان سببا في جلب ألمع النجوم في أقوى الدوريات العالمية ، وأفضل المدربين الأجانب وهذا بالذات ما يتعارض و
مفهوم الاحتراف ، فالمادة ما هي إلا وسيلة وليست أداة لتحقيق النتائج خاصة مع تطور المستوى الفني والتقني للكرة في هدا العصر ، وأصبح
من اللازم التخطيط على المدى المتوسط والبعيد .مستفيذين من تجارب عالمية ، كالتي قامت به أندية عملاقة كالمان سيتي وباريس سان
جيرمان بعدما وجدوا أن المادة لم تعد تعني الشيء الكثير.
فيما لو نقارن التجربة المغربية ببعض التجارب العربية في الشمال الإفريقي كمصر وتونس وحتى السعودية هناك في أقصى المشرق العربي
فهي تجارب مماثلة للمغرب لكن نسبة النجاح تختلف من بلد لأخر ، وذلك لإعتبارات عدة لاختلاف الأمور في هذه البلدان ومن تم متناقضات
الظروف التي يعيشها كل بلد على حدة ، فيما يمكن اعتبار باقي التجارب العربية الأخرى تجارب فتية بحيث أن العديد من البلدان لم تتخذ الاحتراف
منهجا إلا في السنين القليلة الماضية وبعضها قطع خطوات مهمة فيما مازال البعض يتخبط في مشاكل أقل ما يقال عنها أنها بدائية وساذجة
فبين فكر هاوٍ وآخر محترف هنا تتسع الهوة التي لا يجب أن تكون بهاته التجليات ، لكن الموارد المادية والقرب الجغرافي من تجارب عالمية هما
عاملان أساسيين في نحث صورة ربما ستكون قاتمة على البعض بينما هي بيضاء بياض الثلج على دول عربية أخرى ...
فمن منظورنا المتواضع لو تشابكت الأيدي وخطت لنفسها طريقا ، لكان الإحتراف العربي قيمة مضافة بالنسبة للإحتراف العالمي
فتواجد رأسمال وسيولة خيالة مع رصيد بشري ومواهب منتشرة ، كفيل بتحقيق زواجٍ لايمكن إلاّ أن يكون ربحا بدون خسارة بالنسبة للمشرق
العربي أو المغرب العربي ...
وحتى نمضي قدما يجب أن يكون الاحتراف العربي بشكل عام ينص على الصرامة في إدارة منظومة لعبة كرة القدم . بحيث يؤسس لعدة لوائح
منظمة للمسابقات الكروية وفق ضوابط وقواعد علمية معقولة ومنطقية مع فرض بعض الشروط الضرورية تتعلق بالبنيات التحتية لإنجاح ، وكذلك
تسهيل نشاط الأندية وفق تلك اللوائح على أن يتم أيضا الاهتمام بالجانب العلمي والتكوين الأكاديمي ، وذلك من خلال تأهيل الممارسين
والناشطين في الحقل الكروي ومن تم الفئة الناشئة حتى تكون خير خلف لخير سلف