
لا شك أن المتتبع للشأن الكروي في بلادنا لن يحتاج الى جهد جهيد لفك طلاسم الانتكاسات المتتالية , وأي متتبع للمنظومة الكروية المغربية لا يحتاج لقراءة ما بين السطور لمعرفة حقيقة مرة قد يتحاشاها الاعلام والمختصون خوفا من أن تجرهم الى متاهات يخافون منها وتجنب الخوض فيها وغض الطرف عنها وتحييدها عن دائرة النقاش.
كثر اللغط على ضرورة تغيير المدرب، وضرورة الاعتماد على مدرب وطني بذل أجنبي، وتعالت الأصوات بطرد مجموعة من اللاعبين واستبدالهم بآخرين، وهل اللاعب المحترف أحق وأولى بالمنتخب أم للاعب المحلي ,والغريب في الأمر أن وسائل الإعلام والرأي العام الوطني في الغالب هي من تقود وتدير وعيا منها أو بدون وعي، غرضا منها أو مرضا، أو جبنا وصمتا، أو تفاديا وتجنبا منهم لنقاشات أعمق، أوتواطئا منهم بالابتعادعن النبش في صلب العلة وإثارة مواضيع ونقاشات ثانوية وفارغة،دون ووضعها في سياقها ومسارها العام، ودون معرفة العوامل الذاتية والموضوعية، والبحث في ما وراء السطور، وما وراء الكواليس والمخططات والبرامج من وراء الستار.
اليوم يجب تسميت المسميات بأسمائها عوض اعتماد سياسة النعامة والهروب إلى الأمام،. يجب أن نعترف أن المحيط الحاكم في البلاد الذي يدير الرياضة المغربية من وراء حجاب، هو أساس الانتكاسة الكروية المعاشة, نعم هذه النخبة هي السبب الأول والرئيسي في ازمة بنيوية شاملة مست الكرة الوطنية. المشكلة أكبر من جدال عقيم حول تغيير مدرب ,وهل الاطار الوطني أم الأجنبي , وهي أعمق من استبدال لاعب محترف بلاعب من البطولة الوطنية , المشكلة أخطر وأشد توغلا وتغولا وتداخلا وترابطا كلما عمقنا البحث والتقصي في علة الكرة الوطنية.
الدراسات العلمية الأوروبية المتوازية لكرة القدم تربط نجاحها بأربعة أسس ,وتمثلها بعربة بأربعة اطارات متماسكة متكاملة تجرها نحو الأمام, واختلال أحد هذه الاطارات يعني اختلالا في المنظومة بأكملها .
1) البنية التحتية = قد لا يختلف اثنان أن المغرب قطع أشواطا كبيرة في هذا المجال اذ يحتل المرتبة الثانية بعد جنوب افريقيا , على صعيد القارة السمراء, وعند اكتمال عقد ملعب الدار البيضاء سنمثل المنافسة الحقيقية لبلاد مونديلا ,باجماع المحللين , وهذا فخر لنا كمغاربة, وهذا الجانب لا يمثل عائقا أمام التطور الكروي .
2) المادة الخام = الطفل المغربي يولد فنانا كرويا بالفطرة ولمن يساوره شك ’ فليكلف نفسه متابعة مقابلة كروية في الهواء الطلق لأطفال دون السابعة ليستمتع بالمهارات والفنيات الموهوبة , ولا ينقصهم الا اللمسة الأخيرة والتوجيه.( ولماعندو شهود كذاب) فحين نتكلم عن اللاعب المغربي يجرنا الحديث الى أساطير رصعوا اسم المغرب في المحافل الدولية بدأ بالجوهرة السوداء بنمبارك مرورا بحمان وباموس ( كورة ذهبية 1975)وعلال والزهراوي والكزار والتازي والهزاز وبيتشو والعربيين والولدين والعلوي والصماط والفيلالي وعريس كأس افريقيا بابا . وأنا كان لي الشرف أن أشاهد هؤلاء العمالقة صمن البطولة الوطنية بملعب الحسن الثاني بفاس في السبعينات وأيام الزمان الجميل , وشتان بين من شاهد ومن سمع .مرورا بمنتخب العمالقة من حجم الزاكي(كورة ذهبية 1986) والمريس وخليفة والبياز والبويحياوي وحسينة والظلمي الذي ظلمته الكرة ,والحداوي والتيمومي(كورة ذهبية 1985) وبودربالة وكريمو وخيري وما صنعوه في ملحمة 86 , وكذلك منتخب 98 والمرتبة 11 عالميا بقيادة النيبت وبصير ثم حجي (كورة ذهبية1998)والطاهر والشماخ على سبيل المثال لا الحصر, وصولا الى تاعرابت وبلهندة وواللائحة تطول , وأستسمح لباقي اللاعبين .
3) المدرب= رغم ما قيل وما يقال عن المدربين الذين تعاقبوا على تدريب الأسود ,فلا شك أنهم كانوا من طينة المدربين الكبار مند ماردارسكو وكليزيو مرورا بفاريا والمرحوم بليندة واللوزاني والزاكي وميشيل ولومير وغيريس وغيرهم وصولا الى الطاوسي , وكل المنتخبات والأندية تتمنى تأطيرها من طرف هؤلاء المدربين. ورغم اختلاف المدارس والأساليب لم ينجحوا في وضع المنتخب الوطني في اطاره الصحيح واستعاد مكانته الطبيعية على الصعيد الافريقي والدولي .
4) التسيير والتدبير الرياضي = . المتتبع لمؤسسة الجامعة الملكية لكرة القدم مند تأسيسها , وتعاقب الروؤساء على تدبير شأنها , في شخص ,
محمد اليازيدي (1956/1957)
-دكتور بوسيطة (1957/1962)
-إدريس السلاوي (1962/1966)
-مجيد بنجلون (1966/1969)
-معطي جوريو (1969/1970)
-بدر الدين السنوسي (1970/1971)
-أرسلان الجديدي (1971/1974)
-عثمان السليماني (1974/1978)
-كولونيل مهدي بن مجدوب (1978/1979)
-فضول بنزروال (1979/1986)
-كولونيل إدريس باموس (1986/1992)
-كولونيل ماجور حسين زموري (1992/1995)
-جنيرال حسني بنسليمان (1995/2009)
-علي فاسي الفهري منذ سنة 2009
يلاحظ انعطافا في اختيار الروؤساء بوجود وجوه معروفة في السياسة والعسكر وحتى روؤساء الأحزاب كأرسلان الجديدي . هؤلاء الروؤساء يعرفون الكرة من بعيد و لم تكن تجمعهم بها الا البر والاحسان ,ولكن الأيادي الخفية التي تكلمنا عنها بدأت في ادخال المنظومة الكروية في بيئتها السياسية اللاذيمقراطية . ورغم ذلك فالجامعة المغربية لكرة القدم لم تعرف تسييرا ديكتاتوريا الا بمجيء حسني بنسليمان, الذي كمم الأفواه واعتبرت ( بضم التاء)اللاءات مسا بالسيادة الوطنية ( ولابد أن أفتح القوس هنا وأقف اجلالا واكراما لفترة المرحوم الكولونيل مهدي بن مجدوب الذي تمرد على الوضع وأعطى للأندية مكانتها في تدبير الشأن الكروي وهو ما عجل برحيله ) ومن يريد الاطلاع على العلاقة بين كرة القدم والمخرن ’ أحيله على البحث الأكاديمي الذي أجراه الأكاديمي منصف اليازغي في مجلة وجهة نظرالمغربية سنة 2007.
اذن الخلاصة أن التسيير الرياضي لم يساير التطور المنشوذ وراكم سلبيات عديدة ادت الى الوضع الحالي , وأعتقد أن الخروج من هذا النفق يتطلب أولا اعادة الديمقراطية للأندية والعصب في اختيار الرؤساء بعيدا عن الحجر الممارس عليها والابتعاد عن عصى الطاعة المصلط على رقابها من طرف الجامعة .ثانيا حلا جذريا وشاملا عميقا يقتلع الجذور الخبيثة للداء العضال، وإعادة البناء في إطار مشروع مجتمعي متكامل ومنسجم بعيدا عن المقاربات الأحادية الجانب الاستبدادية الفاشلة, ثم اعتماد مقاربة تشاركية في جميع مراحلها، وعلى جميع الأصعدة والمستويات, تحدد العلاقة بين الرياضة والسياسة وبين أليات التداخل وأليات الفصل بينهما ، بعيدا عن الشعارات البالونية و مقولة العام زين .وهذا لا يمكن الوصول اليه الا بوضع أصحاب الحل والربط في مفكرتهم أن التسيير الرياضي علم قائم بداته يعتمد برامج طويلة ومتوسطة الأمد يحددها خط بيان تصاعدي لأهداف مسطرة على مراحل ,يتحمل فيها المسئول مسئوليته أمام الشعب , وليس مجرد كرسي للتباهي وقضاء المصالح .
الوضع لن يستقيم الا بعيدا عن التدخلات و الانزال بالباراشيت كما حصل بعد تنحي بنسليمان عندما انسحب المرشحون الثلاث ( دومو و الكرتلي وبن درويش) بعد وضع ملف ترشيحهم بأربعة وعشرين ساعة تحت الضغط ولفتح المجال لجنيرال آخر بزي مدني هذه المرة والمتمثل في الفاسي الفهري ,لتندثر الديكتاتورية المخزنية التي عمرت 15 سنة وخلفتها الديكتاتورية المالية, وهما وجهين لعملة واحدة , مع فرق عامل الديمقراطية وحرية التعبير بين المرحلتين والتي قد تعجل برحيل الأخيرة مبكرا ..
مداز