شارع طويل و ممدد..و مساء رمادي ينتشر في هدوء ..
و هو يسير جنبا الى جنب مع وحدته في نزهتهما المعتادة بتلك البلدة منذ ان وصلها لأيام خلت .
اجتاح خياله شبحها و هو يخطو في تثاقل ..في البداية لم يعره أي اهتمام كان يتجول بين دروب زمن مضى و آخر
يحمله بين دهاليز احلامه القديمة.لازالت شامخة بذاكرته كما افترقا من آخر لقاء جمعهما قبل هذا المساء و هي تلوح
بيدها و تحتج في خضم خصام كان يمكن تفاديه .ظل يمشي و موعد اللقاء البعيد يكبر بذاكرته . هو لقاء اسطوري بدا
له .. يعرف أن اللقاء لقاءين الأول مع البحر و الثاني مع ذكرياته التي احتوت كل مشاعره تلك الليلة و مضت مخلفة
في فؤاده ترانيم عشق أبدي رغم ذاك الخصام . في الطريق عبر جسرا في اتجاه بعض الحدائق المتربعة على سواحل
البحر كم كان الزمن حلوا في اندفاعه بين دروب موعده الإفتراضي حيث رسم طريقة لقاءهما و خط رسالتين الأولى
للبحر و الثانية لها ..أخذته هلوسته بعيدا فتخيل انه الآن يرتب أولى خطوات حب حقيقي ..هنيهة وجد نفسه واقفا أمام
كرسي اسمنتي جلس القرفصاء و هو ينظر الى شط البحر و في ذات المكان!..عليه جلسا جنبا الى جنب في آخر
لقاءاتهما لازال يذكر تكلما و تبادلا بقايا اشواق ثم افترقا .. و الآن هو هنا سينتظر رغم ما يسببه الإنتظار أحيانا من
وجع ..جلس على الكرسي و خَلَّفَ المدينة وراء ظهره و أمامه البحر بأمواجه التي انخفض تلاطمها و تراجعت في
جَزْر خارق مخلفة بقايا أعماقه و الشمس مالت الى الغروب و وحدها اشعتها الذهبية تتناثر على صفحة الماء الأزرق
لتحيله الى زمن للذكرى.. رويدا !!رويدا ..حتى بقي قرص ذهبي وحده يصارع تموجات البحر و نبضات قلبه..

قبل أن تأفل الشمس نهائيا و تختفي معالم المساء و البحر..كان المساء قد اخترقه الغبش ليحجب الرؤيا فبقي وحيدا
بين تلك الممرات الباردة غارقا في ذكريات لا تكاد تفارق مخيلته..تأكد أنه سيعود خاوي الوفاض من رحلته و عليه أن
يستعد لمغادرة مكان لم يعد يصلح سوى لمخلوقات البحر الليلية . بينما هو يتأهب إذا به يرى بين ثنايا غبش بالكاد قد
تحول الى ظلام باهت شبحا و هو يتحرك في اتجاهه .
تسمر واعترته مشاعر غريبة ..من يكون هذا الشبح القادم بين ضباب هذا الغبش؟( تساءل ) أحس برعشة تشق
جسده من شدة الخوف..جنح الشبح الى الكرسي المجاور فجلس ..
أخذ يبحلق لعله شبح امرأة .. فتساءل هل سينسحب في هدوء أم عليه أن يتبين حقيقة هذا الشبح القادم من
أضلع الليل..عندما بدأت نجوم السماء تدق نواقيس البرد الآتي من هدير البحر وقف متجها الى حيث يجلس الشبح ..
بينما هو يقترب و اذا بنحيب أنثى يخترق مسامعه..اندهش !! فوقف حائرا أخذ البكاء يعلو ليتبين له أنه فعلا هو لأنثى
لا شك جاءت حاملة همومها للبحر أو ربما أضاعت طريق موعدها ..اقترب في اتجاهها و قد شق أنينها أحاسيسه
المرهفة فبدت له الحياة تافهة!!.خصوصا أن يجد امرأة في هذا الليل و في هذه الحالة الشاردة و هي تبكي مرارتها بهذا
المكان الموحش ..تساءل مع نفسه قائلا : آه كم هو صعب أن يظلم الإنسان أخاه الإنسان ؟ و خصوصا كم هو صعب
أن تُظلم المرأةُ بين دروب حياة قاسية فتأتي وحيدة لتشكو آلامها للبحر المستكين و في مكان يحمل بين طياته الألم و
الحزن ..اقترب أكثر بعدما تبين أن الشبح هو لأنثى ، فأحس كأنه يمشي وسط ممر طويل حيث يلفه صمت رهيب . و
على وقع خطاه تتماوج أطياف أحزان فوجد نفسه يقف أمام الشبح النائح ..فألقى عليه السلام ..و إذا بالجسد الجالس
يبادله التحية بالإرتماء بين أحضانه .. انبهر و خفق قلبه بين جوانحه بحدة غير معهودة خصوصا عندما اشتم ريح
زوجته الغالية و تراءت له قسمات وجهها بين أحضانه..تعانقا عناق البدايات و أحسا بدفء الحب الصادق.. ضمها
طويلا بين أحضانه حيث تلاقيا بروحيهما وانتصرا على دواعي الخصام و عادا الى بيتهما يحملان هذه المرة شعار
التحدي : لا خصام بعد اليوم بيننا !! ...
(بقلم : أمازيغ1 & asirato l9oloub )
تحياتي منى آسرة القلوب