_ يا نقاء .. أنه يخونك ، لقد سمعته بإذني يخاطب أحدهم بكلمات رقيقة عذبة ، أنت مسكينة حقاً .. أنا أشفق
عليك يا أختي كثيراً ، اختيارك كان خاطئ ، لأنه لم يستحق حبك في كل يوم ، ولكن لماذا وكيف ؟؟ ألم
تشعري بذلك ؟؟ لعله يخونك منذ البدء وأنت جاهلة كل ذلك ..
_مهلاً يا بسمة أخبريني كيف علمت بذلك ، فمن المستحيل أن يخون قلب مهند ، لا أصدق ذلك ، انه إنسان طيب رقيق القلب ، لا أجده قادر على خدش مشاعري بتلك الطريقة الوضيعة !!
_ يا نقاء أنك طيبة القلب ولا تنفكين عن معاملة الناس بالإحسان والمودة ، فما بالك ومهند زوجك ، لكنه
خانك وأقسم إليك أني سمعته بإذني يتكلم مع امرأة لم أستطع رؤيتها ، لكني سمعته على مقربة وتيقنت من ذلك ،
كانت في البدء صدمة كبيرة جداً ، لأن مهند لا تبدو عليه ملامح الخداع والمكر ، لكنه رجل يا نقاء .. وهم
أكثر من يجيد التلاعب والتسويل ، كنت قد مررت قبل أيام قبل توجهي لعملي فوجدته شاخص الأنظار صوب
شيء داخل الغرفة ، وكنت أنا أنظر إليه من نافذة مطلة على الشارع، لكن ليس في بيتكم هذا ، بل في بيته
القديم ، كم أصبحت أمقت الرجال الآن بحق ، أنهم لا يدركون حجم الألم الذي يعتصر داخل أرواحنا كلما
ذرعوا بعضاً من نزواتهم الخاصة ، لا أعلم كيف يستطيع رجلاً مثل مهند أن يقدم على تلك الفعلة ؟؟
كانت نقاء تستمع لكلمات أختها بسمة بوجل تام ، حتى اعترتها نوبة من الحزن العميق ، وبدأت تتسرب
قطرات من الدموع على وجناتها ، لم تكن قادرة على الاستماع لحديث أكثر من ذلك ، لأنها غابت في عالم أكثر
ظلمة ، فماذا ظنت يا ترى في تلك اللحظة ...
هل كان مهند يخونها طيلة الأعوام الأربع الماضية ؟؟ ولكن كيف حدث ذلك ، ألم يكن مهند ذلك الإنسان
الذي تتناهى إليه المشاعر مضطربة كلما لمحت خياله يمر من جنبها ، لماذا أحبته بتلك الطريقة الجنونية وهو خائن
كأي رجل على هذه الأرض ، نعم أن الحياة قاسية بحق أرهف القلوب ، ولكنها طالما أدركت ، بأن المشاعر
هبة من الله سبحانه وتعالى ، بل وإنها دليل صادق يجعلك تفهم ماذا يضمر إليك الناس ، كانت نقاء ميولية
الروح ، تحس بمن حولها وتتفطن لدرايتهم عن طريق إحساسها بهم ، لكنها لم تشعر بمهند كونه خائن ، توقفت
بسمة عن الحديث بعدما شاهدت شحوب وجه نقاء ، فهمت تقول :
يا نقاء .. لو لم تكوني عزيزة على قلبي لما أتيتك وأخبرتك ، سامحيني أختي لأني أبلغك بأتعس خبر ، سامحيني ، ثم
احتضنت أختها وغبنّ في موجة بكاء عميقة ...
مرت ما يقارب خمس ساعات ولا زالت نقاء تترقب قدوم زوجها مهند ، أنها تتألم وبشدة ، لكنها قوية ..
وضعيفة بالحب ، وصل مهند ، لم تكن تريد النظر في وجه زوجها ، كانت تشعر بأنه إنسان غريب عنها ، أما
هو فقد خاطبها بلهجة حنونة ، كيف حالك يا نقاء ؟؟
أجابت بتلكؤ .. بخير ولله الحمد و أنت كيف عملك اليوم ، فرد قائلا أنه بخير يا نقاء ، ولكنني أود الذهاب
لمنزلي القديم ، لدي بعض الأمور أرتبها وأعود بعد ساعة .. سمعت تلك الكلمات وانسحقت مهجتها ، أنه الآن
يمتلك الجرأة ويقول بأنه ذاهب إلى هناك على غير العادة ، لماذا لا يرحل إلى هناك دون التصريح بذلك ، لماذا
لا يذهب ويلتقي بحبيبته بصمت ..
خرج مهند من بيته بينما ظلت نقاء تفكر في ملاحقته ، يا ترى هل تريد إن تتأكد أكثر ، هل ما زالت تظن بأن
زوجها ليس خائن ، لكنه صرح قبل قليل بذلك ، أنه ذاهب إليها ..
ياحسرتي يا مهند ، عندما أحببتك ، طوعت نفسي على ذكرك في كل لحظة ، حتى تناسيت نفسي ، كنت أنت
تحناني ، وكنت أنت روحي الحائمة في خيالات المحبة ، كلما أرهقتني الظنون وشردتني الهواجس التقيت طيفك
واحتضنتك ، واليوم بعدما أقصتني الحياة ، كيف سوف أحيا وحزني يسافر في قلبي ..
تتبعت نقاء زوجها وأخذت تنظر إليه وهو يخاطب أحدهم بكلمات كلها انعطاف ومودة ، أخذت تقترب شيئاً
فشيئاً ، أرادت أن تكشفه على حقيقته البشعة ، حتى سمعت تلك الكلمات ...
أحبك هكذا أقولها أمام العالم أجمع ، ويا ليتك كنت معي دوماً حاضرة ، أنام على كتفكِ ، وأنسى مواجعي التي
تنساب إلى روحي في أوقات وحدتي .. أنتِ أجمل الأماني التي غشت هذا الكون ، بل أنك أحلى من نيسان
الوجود ، أنت ربيع الوجود مهما امتدت الساعات ..
سمعت نقاء تلك الكلمات وظهرت فجأة من خلف الباب ، بعدما فقدت السيطرة على نفسها ، أرادت أن تنظر
في عيون مهند وتهرب بعيداً عنه .. لكنها لم تجد أحداً بقرب مهند ؟؟.. كان مهند يقف قريباً من صورة أمه
المعلقة في أعلى الجدار ..
أصيبت بالذعر ، فقدت وعيها .. ثم استيقظت بعد ساعة لترى أختها وزوجها جالسين بالقرب منها ، فهمت
تقول إلى مهند :
لقد ظننت بك سوء يا حبيبي .. سامحني ، لكني حقاً أحببتك ولم أشأ أن أشعر بأنك بعيد عني ، أو انك فكرت
بالرحيل بعيداً .. حبيبي ما أقسى الحياة بدونك وما أبشعها ، كلما مر العمر بنا ، نكتشف أن المشاعر هي
المساحة التي نحيا فيها ، فكلما ضاقت ، ضاق بنا العيش ، ولكنها أن اتسعت ، عشنا بسلام هانئين رغم قلة
المساحة الكونية التي نسكنها ، حبيبي أريد أن أستردك من باقي الحنين ، فجلوسك بقربي يجعلني أتوق إليك
وأكابر الاحتمال ، حقاً لا أريدك أن تبتعد عني بعد اليوم لثانية أريدك أن تظل بجنبي مدى الحياة، عندما سمعتك
تناجي والدتك رحمها الله كنت قد ظننت أنك تخاطب أحدهم ، فرحت أتمنى موتي ، ولكنك كنت كما ظننت
في قلبي ، لقد قالت أفكاري بأنك خائن ، وكان قلبي يقول بأنك حبيبي ..
ثم قالت بسمة بخجل شديد أنا السبب يا مهند أنا من أخبرتها بقصة رحيلك لمنزلك القديم .. ابتسم مهند وهو
يقول ، لا عليك يابسمة فقد فعلت خيرا صدقيني ، ثم وجه حديثه إلى نقاء .. حبيبتي لقد فكرت بنقل كل
الحاجيات إلى بيتنا ، لكني لم أكن املك الوقت ، لذلك كنت أرحل لأرى صورة أمي كلما اشتقت إليها ، أنت
حبيبتي التي أتنفس عبيرها مع وجودي ، أنت من تشتاق إليها حروفي وكلماتي وأمنياتي .. أنت كل شيء أحببته
في هذا الوجود .. فلا تظني بأني قادر على خداعك في لحظة .
بقلمي