عادة سيئة كبلت إرادتي وجعلتني أشعر بالضعف أمامها، أنحني لها رغما عن أنفي
كان لها سلطان عليّ رغم علمي أنها تؤدي إلى التهلكة والخسران..
سيجارة تعقبها سيجارة، قبل الطعام وبعده، وعند الاستيقاظ وعند النوم وعند الأرق
وعند القلق وفي أوقات متفرقة من اليوم...
كنت أعيش وصفة مدخن منقوشة في أفكاري:
- أنا مدخن، سأدخن، في جيبي علبة سجائر، أنا إنسان مدخن..
هو تعريفي لنفسي الذي يخاطبني دائما من داخلي ويحاول تذكيري بحقيقتي في كل حين
على مائدة الطعام و في العمل و في الفراش وحتى في الصلاة والجبين ساجد لله.. أنا مدخن وسأدخن.
صديقتي الجميلة التي اخترتها عن قناعة منذ سنتين، تعجبني كثيرا وأحس بالراحة كلما كنت معها
نخرج معا إلى الشاطئ، إلى الغابة، تركب معي السيارة ونذهب في جولة بعيدة إلى كل مكان يخطر ببالنا
صحيح أني نيتي صادقة اتجاهها وأنوي أن أتزوجها عندما تتيسر أموري وعندما يتزوج إخوتي الأكبر مني سنا
ولكني كنت أحس بشيء من تأنيب الضمير بعد عودتنا من جولتنا المجنونة التي لا تخلو من كثير من الممارسات
التي أعتقد أنها:
- أوف لا أعلم... لا أستطيع أن أعبر عنها.. أظن أنها مشينة وغير لائقة..
بعدها أتنهد وأشغل جهاز الستيريو وأسمع بعض الموسيقى، حتى أنني أؤجل الصلاة في اليوم الذي خرجت فيه مع صديقتي
إلى اليوم الذي بعده وذلك لأن أشعر بشيء من الحياء والخجل.
- هي صديقتي وأنا أخرج معها، وسأخرج معها وسأتحين أي فرصة لنخرج معا وسأكرر ما فعلته معها كل مرة
هو ذلك الخطاب الذي كان ينبعث من داخلي يعرفني بنفسي، نائما كنت أو يقضا، في أوقات الراحة
وأثناء العمل وحتى في الصلاة وحتى أنا أتلو كتاب الله في المسجد بعد صلاة العصر.. هي حبيبتي وصديقتي..
************************************
كان لي زميل في العمل غريب الأطوار، كنت أتخيله من عالم غير عالمي، كنت أتخيله شخصا مثاليا لا يخطئ
ذات يوم دخلت مكتبه على حين غرة ودون أن أستأذن ولعله نسي الباب دون إقفال...
كان قرب النافذة يتناول سيجارة..
- إنه يدخن؟؟؟؟ اللعنة وقد أخبرني من قبل أنه غير مدخن؟؟ هل هو منافق؟؟
دخلت المكتب وما إن رآني حتى أطفأ السيجارة ورمى بقاياها في سلة المهملات..
- أهلا عبدو كيف حالك؟ بادرني بالتحية مبتسما كأن شيئا لم يحدث.
لم أستطع الإجابة عن سؤاله بل تحدثت بانفعال متسائلا عن ما رأيته عليه..
- خالد.. ألم تخبرني أنك غير مدخن؟ ألم تنهني عن التدخين؟ ألم تكن تنزعج من دخاني؟
ماذا رأيتك تفعل الآن؟ أنت مدخن مثلي؟؟؟
ابتسم ببرودة ثم قال:
- أنا لست مدخنا، ولكني دخنت سيجارة لتوي، ولكني لن أعود لذلك أبدا
وإن عدت...
ثم سكت برهة جلس بعدها على كرسي مكتبه الفاخر وقال:
- سأخبر بسر خطير، تفضل اجلس..
جلست والحيرة تلتهم فكري ولساني معا..
- الجريمة العمدية تختلف عقوبتها إذا كانت عرضية دون تخطيط تكون مخففة
وإن كانت عن سابق إصرار وترصد فإن العقوبة تكون مغلظة
كلنا ندرك أن التدخين حرام، وفيه إثم كبير، وجريمة في حق النفس والبيئة والناس
الفرق بيني وبينك أن صفة المدخن لا تنطبق علي إلا أثناء التدخين فقط، لأنني أتوب إلى الله
بعد تناولي السيجارة ولا أتناول السيجارة إلا عندما لا أعرف كيف أعبر لك ولا أعرف متى أتناول السيجارة
لأني لا أفكر في تناولها مجددا ولو عرفت متى أتناولها لأخذت احتياطاتي مسبقا..
صدقني في بعض المرات أرمي السيجارة في منتصفها، ومرات أرميها مباشرة بعدما أشتريها
كما أنني لا أشتري علبة أبدا، ولا أشتري أكثر من سيجارة واحدة لأنني لا أخطط أن أزيد عليها
أما أنت حينما تشتري علبة، فأنت تخطط لتدخين عشرين سيجارة.. أليس كذلك؟؟؟
كلماته خلطت أفكاري، صحيح لما أشتري علبة أو علبتين من السجائر، ماذا أنوي؟؟؟
أنا مدخن في كل وقت، وهو غير مدخن، هو يرتكب خطأ عرضيا وأنا أخطط له قبل ارتكابه..
- لكن لماذا لم تخبرني أنك تدخن؟؟ هكذا سألته دون تفكير فأجاب:
- أنا لست مدخن، وإن حدث ودخنت، فإني أستر نفسي وأترك الذنب بيني وبين ربي حتى يستره علي في الدنيا
ويغفره لي في الآخرة، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (كل أمتي معافى إلا المجاهرون)
كما أنني أقدرك وأحترمك، لذلك لا أدخن أمامك، كما أن التدخين أمام الناس يجعله فعلا عاديا بينما هو في الحقيقة
جريمة على فاعلها أن يختفي عن الأنظار...
ثم سكت برهة وأخذ نفسا عميقا ثم استدرك كلامه:
- هكذا ترك صديقي سفيان التدخين، وهكذا ترك صديقي مصطفى الحشيش مع التدخين
وهكذا سنتخلص منه أنــــــــا وأنت، ما رأيك؟