بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم
---------------------
*..القيت التحية على* بيير * زميلي في العمل وصعدت مسرعا لمكتبي ،واثناء صعودي اصطدمت برجل ضخم البنية فأخذ يعتذر الي لكن بين كلمات اعتذاره نطق كلمة بغير اللغة التي اعرفها
لم تكن كلمة بالفرنسية وانما بلهجة معينة ،لقد كانت باللهجة الجزائرية ،تجمدت للحظة وكأن الزمن توقف من حولي وتذكرت كل الماضي الذي عشته في الجزائر...بلدي الام .
انا كسائر الشباب كنت أكدح للحصول على لقمة العيش ،دفعني الفقر والفاقة الى ركوب قارب الموت نحو شواطئ فرنسا ،ركبته مع اشخاص لا اعرفهم ..رجل عجوز ألهب الشيب رأسه وتفتت عظامه
من الشقاء ،يمسك بحقيبته الجلدية بل يعانقها ويردد طول الرحلة :سأتزوج وأحصل على المال ..انتهى عهد الفقر و*الميزيرية*...وشاب يافع أذابت الحاجة وجهه وأجهزت على روح الشباب في قلبه
ومجموعة اخرىمن الشباب من ولايات جزائرية مختلفة .هاجرنا الى فرنسا او بمصطلح آخر *حرقنا* للبحث عن مستوى معيشي افضل .حصلت على دبلوم وشهادات عدة في بلدي لكنني رميتها في احضان
الغبار داخل الخزانة ولم تنفعني بشيء ،فكرت انه ربما اذا هاجرت الى بلد افضل حالا قد اجد من يقدر تلك الخربشات على ورقة مزينة يدعونها* شهادة* لاثبات الكفاءة.
غادر الرجل وواصلت طريقي نحو المكتب ،دخلت السكرتيرة ومعها كوب من القهوة الفرنسية الفاخرة ،وأخذت رائحتها تجوب المكان ..وضعت الكوب على المكتب وعلى وجهها ابتسامة جميلة
فبادلتها الابتسامة ثم قلت :اشتقت الى* المطلوع*..استغربت السكرتيرة وقالت:عذرا سيدي ماذا قلت؟
-لا شيء ...لا شيء يمكنك المغادرة ..وشكرا على القهوة
نعم..لقد تذكرت رائحة الخبز الذي كانت تعده امي ..التي لم ارها منذ خمس وعشرين سنة ،وطعم الكسكس اللذيذ الذي تتفنن خالتي باعداده ..رجعت بذاكرتي الى هناك ..الى الازقة والشوارع
وصراخ الاطفال ،ورائحة الاعشاب والتوابل التي امر عليها كل صباح في حانوت *خالتي سعدية *،وخضروات العم احمد التي اعتدت على بيعها معه
كل شيء عاد الى ذاكرتي ..وانتابني شعور بالبكاء ،لربما كان ذلك احساس الحنين الى الوطن ..غادرت عملي باكرا وحاولت النوم والاسترخاء لكنني لم اقدر
حزمت حقائبي وعزمت على العودة الى الجزائر ...لكنني تراجعت فيما بعد حينما اخبرتني زوجتي انها ترفض العيش في الجزائر ولا تريد لأولادنا ان يعيشوا نفس التجربة
التي عشتها ..*
تمت
