|
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
** ورقة وقلم **
* بينما كانت الورقة البيضاء في صفحات الكتاب تتدلل على باقي الادوات على المكتب ،اقترب منها القلم رافعا رأسه من الفخر
والتباهي،عازما على اثبات نفسه .. جلس ينظر الى الورقة وهي تمدح نفسها ،ينظر الى جمالها وبياضها ،وكم هي واثقة بنفسها ...
تعالت قهقهات القلم وهو يسخر من الورقة اذ قالت : -القلم وحيد من دوني .
اقترب منها ولفت انتباه جمهورها من الادوات وراح يسترسل في الحديث ،لم يترك شيئا الا وقاله ..ولفصاحة لسانه وكثرة خبراته
ولغاته المختلفة أربك القلم الورقة وادخلها في صراع من الشك جعلها ترغب في الاستسلام لحديثه المتقن والموزون .
قاومت الورقة وحاولت صد اهاناته وتقليله من شأنها.
اراد القلم انهاء المسألة بسرعة مستخدما قدراته في الحديث فسألها قائلا:
- انا طول الدهر وعبر الاف السنين ،اكتب على الاوراق سفر الخالدين،
وبطولات الاجداد وحكايات الحب والغرام والتشريع والقوانين،فلما تظنين انك افضل مني؟
الورقة: لأني ملاذك الوحيد ،اني غير قادرة على تحمل بطش حبرك ولا اريد ان تكتب على اسطري الكذب والخداع الذي انتشر بهذه الايام
فقد اصبحت وسيلة لاختلاق الكذب وتزويق الاحداث التي لم تكن يوما حقيقة ولا هي موجودة أصلا.
القلم :بل انا الذي أخط الحقيقة والحق حروفا على الاوراق ،رسائلا للامهات والاصدقاء مليئة بالاشواق ،
انا القلم الذي يجعل منك ذات قيمة ،فالاوراق الخالية لا نفع منها ،والكتب الفارغة لا جدوى منها لكنني الفرق بين الخالي والمليء
وبين الفراغ القاتل ،والكتابات القيمة ..
الورقة :اخرس ..فأنت من دوني لا شيء ..اين تلقي بفلسفاتك العريقة وكلمات لغاتك المعقدة ؟
اين تضع بصمتك التي تدعي عظمتها ؟اين تخط رسائل العشق والحنين ،وكلام العلماء وحكم السابقين ؟
طبعا على الورقة ..طبعا انا الوسيلة التي تكمل دورك الكبير ..من دوني انت وحيد ،لا حول لك ولا قوة
كل ذلك الحبر الثمين بداخلك يحتاج الى ورقة ناصعة البياض ليسيل نفسه عليها ، كنت لتصبح سجينا لولاي ..فهل ماتزال تظن انني بلا قيمة؟
القلم:رحماك ايتها الورقة ..هل تظنين انك قادرة على الوصول الى القمة بكل بساطة ؟ اصغي الي ..الناس يمدحون القلم قائلين *دام قلمك مبدعا *
وليس دامت اوراقك مبدعة ،القلم هو الاساس ..انا فن ...انا مقياس ،اثبت جدارة الكاتب واكون النقلة والوصلة بين الورقة والاحساس ..
دعيني من سخافات واساطير الاوراق واقتنعي انني الافضل ..
دخل القلم والورقة في جدال حاد،كلاهما مقتنع بموقفه ويرفض الاقتناع بموقف الاخر ،كافحت الورقة امام رزانة القلم
وبراعته في انتقاء الكلمات،وفنه المميز في مراقصة الحروف والتلاعب بالجمل ...
كان القلم مدركا ان الورقة قوية جدا ،وهي الند الاول له ،فهو لا يكترث لأي أداة اخرى ،فسائر الوسائل تخضع لسلطته ،
تربع القلم على العرش مستغنيا عن جداله مع الورقة ،رافضا الاستماع للمزيد من حججها الكثيرة .
حزنت الورقة لأنها لم تحظى بالوقت الكافي لتعبر عن نفسها وتدافع عن عظمتها.
وبمرور الوقت ضاقت بالقلم الاحوال ،ولم يعد قادرا على حجز المزيد من الابداع داخله ،فغادر مملكته باكرا ..باحثا عن ملاذ يفرغ فيه
جعبته من الحبر المشبع بألوان مختلفة من الكتابات ، وضع يده على صدره وأخذ يسعل بقوة ..
بعد لحظات ضاق صدره وانكمش جسده وأحس بأن روح الابداع تندلق مع الحبر لكن هذه المرة ليس على الورقة وانما في الفراغ
ضاعت الكلمات الجميلة وغادرة الابتسامات الرائعة ،اختنق القلم وسقط مستسلما لضياع موهبته
ركض القلم عائدا الى مملكته ليطلب النجدة ..ورغم تجنبه لطلبها من الورقة..الا ان الحل الوحيد هو الورقة ذاتها .
رفض المساعدة منها واستمر في تجنبها ،وفي ظل عجز باقي الادوات على مساعدته رحل القلم الى الدرج غير قادر على التحمل.
واما الورقة، فقد بقيت تنتظر عودة القلم للكتابة والابداع على اسطرها ،لكنه لم يفعل وظلت حزينة عليه،وحيدة لا احد يهتم لها
ولا احد ينظر الى بياضها الناصع او جمالها او نعومتها وبعد مرور السنوات اصبحت شاحبة ذات لون اصفر
وفي يوم من الايام عاد صاحب المكتب وجمع الاوراق والكتب ووضعها في كيس اسود اللون ولم ترى الورقة النور مرة اخرى
تخلى صاحب المكتب عن باقي الادوات ،ورمى القلم بعيدا عن الانظار ...
لم يكن القلم قادرا على الرضوخ للواقع وطلب المساعدة من الورقة ،ولولا عناده وتكبره لما وصل الى هذا الحال ،
والورقة التي بذلت جهدها لإقناعه ،لم تشعر بالسعادة ابدا بعد ذلك اليوم ..لتفارق القلم الى الابد.
*تمت*
|