**************************************
أحــــــــــاديث الليــــــــــــــل والخيبة المحمودة
**********************************
كنت أتقلب في فراشي، لم أستطع استقبال النوم رغم التعب
أحاديث ليلية كثيرة ووسوسات شيطانية قضت مضجعي
أحسست بضعف شديد، أحسست أني وحيد بدون نصير هنا في هذه البقعة الصحراوية
من الأرض حيث كنت أعمل في شركة متعددة الجنسيات من أجل بناء معلم حضاري ضخم
************
أغطي رأسي وأمسك الإزار بقبضتيّ أتذكر الوجوه الجميلة، وجوه أصدقائي في قريتي الصغيرة
تذكرت صوت أمي وهي تدعو لي، كلمات أبي وهو يوصني..
تذكرت صلوات الجماعة حيث كنت أحضرها مع الإمام حسن الصوت..
أنا الآن بعيد عن كل هذا، أنا الآن وحيد هنا، كل شيء يشجعني على المعصية
ثم بدأت أفكر بطريقة أخرى، لا شك أن الشيطان ساعدني في ذلك كمد بعده الجزر
تذكرت أخي مارق العاق لوالديه، الذي لا يصلي إلا في الحملات الانتخابية
الذي لا يزورنا إلا ليكسب أصواتنا في الانتخابات، تذكرت سكريتيراته الجميلات اللائي
يسهر معن ويحتسي برفقتهن الخمر، ويعطي ويمسك الرشاوى
تذكرت هؤلاء الزملاء الذين أعمل معهم، البعيدون عن الإسلام كل البعد، هؤلاء المسيحيون واليهود والملحدون...
جمعت ذنوبهم وركمتها فكانت كالجبال تثقل كاهل الأرض...
- ماذا لو ارتكبت ذنبا؟ أين سيظهر أمام هذا الكم الهائل من الذنوب؟
- أنا الآن بعيد عن الناصحين، لا أحد هنا يأخذ بيدي إلى بر الأمان.. إلا ميس دالاس ورفيقاتها الحسنوات..
هكذا كنت أتحدث مع نفسي أجادلها وتجادلني وجدالنا معا يصب في حوض واحد وفي درب واحد...
درب يشجعني على الخطيئة يغريني في ذلك ستر الله ورحمته بي في كثير من المرات...
قمت من فراشي متثاقلا، ارتديت بدلة أنيقة وقررت زيارة إحداهن والساعة جاوزت منتصف الليل...
- أعرف أن هناك كثيرات مستعدات للتبرع بليلة وكأس من أجل هذا المسلم المحروم، لا شك أن كثيرا
هنا في الشركة سيشجع هذا الفارس من أجل كبوة، ومن بعد الكبوة سيعذره الجميع لأنه لم يستطع الإمساك أكثر.
هكذا كنت أتحدث مدركا تماما ما أنا مقدم عليه، أحسست أن الأرض التي أمشي عليها
تبكي خطواتي الأخيرة في ثياب الطهارة، أحسست أن القلم الذي يستعد لكتابة هذا الذنب، يرتعش، يدعو مع
الصحيفة مع الملائكة مع كثير من المؤمنين في بقاع الأرض يقول (وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته)
بدأت دموعي تسيل بغزارة ولكن واصلت السير نحو الخطيئة، ثورتي الجنسية الوحشية الليلة لم تخبو
كأن الشيطان كان يشعل نار المجون تحتها...
- كريستيانا، جوليا أم ميس دالاس، أي باب سأقرعه في هذا الظلام...
هكذا تساءلت وأنا أقف أمام سور له باب ظاهره الرحمة وباطنه شيء مجهول يتأجج الفضول لمعرفة حقيقيته...
اقتربت من باب جوليا، فهي التي زارتني برفقة بيتر وصديقة أخرى لها في ليلة الميلاد
هي التي جادت بجسدها من أجل أن تمتعني وتذيقني بعضا من لذة العيد المسيحي ورفضت...
تشجعت ورفعت يدي ببطء كأنها ترفض أن تقرع الباب..
أرغمتها على قرع الباب وفجأة توقفت..
ليس بإرادتي.. بل لأن صوت جوليا اخترق الباب وبلغ مسامعي ليطرح كبريائي أرضا
من خلال كلماتها عرفت أنها تعيش في عالم آخر، في عالم لم أكن أتخيل أنه موجود...
كانت تتحدث بإنجليزية مبهمة لكنني فهمتها، استطعت أن أصفي كلماتها من بين أصوات النحيب:
- إن كنت أنت ربي فأرني الطريق الصحيح..
جملة اخترقت الباب واخترقت أذني واخترقت قلبي، كانت رصاصة من قناصة جعلتني أخر أرضا وأتكئ
على باب غرفتها أسمع أحاديثها وأقارنها بأحاديثي وكلاهما من أحاديث الليل..
- ربي.. هل المسلمون هم وحدهم من ينالوا عفوك ورحمتك وجنتك؟؟
- ربي لقد رأيت أبي في المنام يقول لي: اتبعي الموحدين الذين يمشون على الأرض هونا..
- ربي.. هل هؤلاء الموحدون هم المسلمون، هل ربيع من الموحدين؟؟
بدأت أبكي وأبكي حتى كاد يغمى علي، أردت أن أقيم الحد على نفسي قبل أن أرتكب جريمتي هذه
لم أستطع أن أبرح مكاني لأن كلماتها دمرتني كليا وامتصت ما لدي من طاقة..
- ربي.. أنا أمتك، سلّمتك أمري كاملا، فأنا لا أعرف الحق، ولا أعرف ماذا عليّ أن أفعل .. وماذا...
وهنا انطلقت مسرعا فارّا بجلدي وصوت النحيب قد علا مني كصبي وجد حضن أمه فرحا وملامة وشكرا
لم أستطع بلوغ غرفتي.. إذ أغمي عليّ ولم أشعر إلا وأنا في عيادة الشركة
وميس دالاس واقفة على رأسي تقول:
(سلامتك من الآه)
................................................ ربيع