اجلس متفرس في جدران سجني المظلم ، ورائحة الموت تفوح من بين لحظاتي المدببة التي تنهش وحدتي وصمتي ، كان إذ ذاك في منتصف الليل ولم تكن عيوني قادرة أن تحتضن الكرى ، لأني تيقنت بأنها سوف تحتضن السبات طويلاً تحت اطباق الثرى في الغد ...
كان صيف عام 2002 مشوب بالحزن الدفين ، أو الفاجعة التي تلاقت مع عيون وجودنا ، أرهقتنا تلك المحاكمات التي تم تداولها طيلة سنة ، حكمت بالإعدام على قضية لم أكن قد ارتكبتها ! لا أعرف كيف أبوح بهذه الكلمات التي وجدتها طليقة تخرج من أعماق روحي الملتاثة بظلال الصمت ، وقفت أتأمل كل شيء حوطني ، صوري أبنتي وزوجتي ، وهناك ذكريات قد علقت في تلافيف الذاكرة ، رحت أجوبها كمشتاق أرهقه الفراق ، محدقاً في عيون قلبي التي أرى فيها حكايات غيابي القريب ، أو بالأحرى موتي المحتم ، نظرت إلى أعلى سقف زنزانتي كأني أود أن تهب روحي مع النسمات لتخرج من بين القضبان وترحل صوب الأحباب ، ماذا يقرر الإنسان على بعد ساعات من إنعتاقه!! ، أشتقت إلى الموت كما كرهت الانتظار ، وخفت الحياة كما أحببت الرحيل ،لكني حقاً سئمت الحياة التي يعلى فيها دانيها ويمج ناصحها وكريمها ، أليست الحياة الأخرى أولى بنا نحن المظلومين ، جلست وفتحت القرآن ورحت أقرأ فيه ، كأني أمنح لساعات حضوري الآفلة نفحات من الروض القدسي المنزه في هذه الحياة ، لم أجد شيئاً مقدس بقدر المحبة التي حباها الرب في قلوبنا ، فنحن من اجلها ولدنا ومن اجلها سنموت ..، تلك المحبة التي هي كاللون تزخرف فيه فصول الحياة ، ثم قرأت تلك الآية " أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا " لتطلع شمس الحياة على حياتي مرة أخرى فقد تم الإنبعاث من جديد ، على صوت الراديو ، وهو يقول "تم العفو على جميع المحكومين في البلد " .
بقلمي