جحيــــــــــــــــم و نعيـــــــــــــــم ! ( بقلمـــــي )
آخر
الصفحة
Zikoo Pasha

  • المشاركات: 16324
    نقاط التميز: 7569
مشرف سابق
Zikoo Pasha

مشرف سابق
المشاركات: 16324
نقاط التميز: 7569
معدل المشاركات يوميا: 2.3
الأيام منذ الإنضمام: 6988
  • 14:54 - 2012/02/25


 

كان يمشي ببطء شديد ، مطأطأ الرأس ، خائر القوى ، منهارة مشيته ، رذيئة حاله ، و غمامة سوداء تعلو وجهه الكدر ، عزم أن ينفذ في دلك اليوم تلك الفكرة اللعينة التي خطرت على عقله الدي يبست فيه معلومات الدراسة البالية ، لا يكاد يمر يوم الا ويسب هاته الأخيرة لأنها قادته رغم نجاحه فيها الى هاته الحياة الجحيمية ، وقد عقد عزمه في دلك اليوم المشؤوم على اطلاق العنان لأفكاره السوداء ، وأكثرها سوداوية كانت فكرة الذهاب الى شاطئ " عين الدياب " ، طبعاً فما كان له أن يدهب لمكان كهدا في أيام الليالي الطويلة من أجل تحويل جحيمه الى نعيم ، لكنه ربما قيادة للنفس من جحيم يعانيه الى جحيم أقسى ، الى جحيم أعمق وأكثر ألماً ، هو لا يعلم كثيراً عن الجحيم الدي سيدهب اليه ، ولكن نظره القاصر آنذاك جعله يتمسك بخيط العنكبوت للهروب من نيران ملتهبة في داخله وكيانه .

نيرانٌ أسهم في اشعال فتيلها وتحويلها لحريق ملتهب " السي ادريس " ، لأنه ضاق ذرعاً من مطالب واحتياجات ابنه " فؤاد " المادية ، فـ " فؤاد " كان دائم الاحتياج للحبوب المهلوسة ، وتدخين علب كاملة من السجائر ، وهدا وحده يكلف أباه " السي ادريس " ميزانية يومية أحياناً تؤثر في مصاريف البيت ، وعندما قرر " السي ادريس " أن يكون أكثر حزماً مع ابنه العاطل المعطل ، قال له " اشتغل هده المرة على نفسك ، لست دائماً من سيحضر اللقمة الى فمك " ، وبالطبع ، فان فؤاد لم يحتج لكثير تفكيرٍ ليفك شيفرات أقوال أبيه ، فهو وبمعنى آخر يقول له " كن انساناً لا جرذاً "، فـ فؤاد في العادة لم يكن يرى نفسه الا في هيأة كلب ضال يبحث عن بقايا ومخلفات الطعام في منتصف الليل بعد أن يعود من رحلاته التائهة المعتادة ..

لكن يومها ، الأمور كانت مختلفة ، فـ " الكلب الضال " أصبح " جرذاً " ، والأب السخي الحنون تحول لبخيل فج غليظ ، والأهم من هدا أن فؤاد لم يتذوق طعم سيجارته المفضلة " ماركيز " ، فهي على الأقل الوحيدة من تحس بما في داخله من نيران ، فتخفف عنه قليلاً بالاحتراق من أجله ..

هكدا ، مضى فؤاد في سبيله نحو الجحيم الأبدي ، ليضع حداً لحياة الجرذان والكلاب في داخله ، كل ما كان يفكر فيه ، هو الطريقة التي سيلقي بها نفسه في البحر العميق ، هل يرمي نفسه من الأعالي ، فترتطم عظامه مع الصخور ،  أم يغطس في المياه الباردة ليترك مصير حياته للأمواج التي لا ترحم ، وبينما هو في طريقه الى انهاء الجرذ المعدوم والكلب الضال ، اذا به يستنشق الهواء العليل في عطرٍ زكي ، كانت صاحبته تبدو من الوراء في شكلها كلؤلؤة وسط صحراء قاحلة ، مرت من أمامه بسرعة البرق ، ثم اتجهت يميناً ... الشاطئ المقصود موجود يساراً ، هنا احتاج الى التوقف قليلاً ، الى أي اتجاه يدهب ؟ اليسار حيث النهاية والجحيم ، أم اليمين حيث اللؤلؤة والنعيم ، وبعد تردد طويل ، يلقي بعزمه نحو النعيم ، ليجرب النعيم وهو جرذ ، ومن لم يعجبه هدا فليدهب بنفسه نحو جحيم .. !

أخد يقترب منها شيئاً فشيئاً وعينيه لا تفارقانها ، وعندما وصل اليها ، حاول مناداتاها بالتصفير والهمز واللمز تارة ، وبالكلمات الساحرة المعسولة التي تعلمها من اخوان دربه تارة أخرى ، وعندما لم يفلح دلك ، اندفع بكل طاقته نحوها ، وأمسك يدها ، فتنفزع الفتاة لتستدير وتقول " أوووه هدا أنت، ما الدي كنت تحاول فعله يا أخي ؟ " ......

 

 

بقلم : زكريا الشافعي

 جحيــــــــــــــــم و نعيـــــــــــــــم ! ( بقلمـــــي )
بداية
الصفحة