لست اعرف أي سر يسري مع لمسات يديه فيجعل الحياة تحل مكان آثاره.. لا اعلم إن كان هذا ما يسمونها البركة أو انه الإخلاص والنية الصافية..
اعتاد دائما أن يحول الشحوب إلى لون الربيع الأخضر..أراه منكبا يداعب قشرة الأرض, يهمس إليها ويوصيها بكل طموحاته ,يحفر فيها أخاديد من الأمل ثم يخرج الجذور التي رعاها وحرص علا سلامتها ليدسها في رحمها ويحث عليها... هكذا كان يفعل صاحب الجبهة العريضة.. يعود كل يوم ليسقيها الماء ويتأملها بنظراته التي كنت أرى فيها علم كل شيء..! يظل الساعات الطويلة تحت الشمس ولا يتأذى , وحين أشفق عليه يقول : يا بني الأرض إن أعطيتها تعطيك..
صورة شهدت عليها وتزورني كل ليلة في منامي حتى أتى ذلك اليوم الذي استيقظت فيه مذعورا على أصوات ضجيج وجلبة...
- تريد أن تخرجوني منها ؟ أنا اعرف أنكم تكرهوني ولا احد فيكم يطيقني...!
وصلت إلى عين المكان مع تلفظه بتلك الجملة المقيتة, وكل واحد فيهم يمسك يعصاه التي بانت مآربه فيها..
- اجل نريد أن نخرجك ونرتاح منك...
- أعرفكم واعرف نواياكم , إن كل هذا من حر مالي , أنا من بنيت الصور ولا اسمح لأحد بالاقتراب...
قالها وهو يعلو ويزبد كالبحر الهائج اذي يتحضر للطوفان ليغرق الجميع...
جاءت امرأته من خلفه فتقدمت لتصرخ فيهم :
- أيها الباشق إنهم ليسوا إخوتك , اضرب كل من يقترب من أملاكنا...
قالت جملتها لتزيد النار استعار فمسك الأشقاء كل منهم في رقبة أخيه يريد أن يسحقه ويفوز..
هل كان علي أن اشهد البداية واشهد النهاية ؟ هل كان على الربيع أن يرحل للأبد ؟ رحلت أيها الشيخ الجليل وحتى ترابها شحب لونه من بعدك.. رحلت وهجرت الطيور الأغصان الخالية.. نعم كرهتها وقد ماتت شجرتي فيها, وسكنها كلب يحرس الخراب.
ليتك تعلم انه جاء من بعدك فصل خامس مستحدث , فصل ليس فيه شيء سوى سواد دامس.
