" درة"
-كانت "درة " تترنم بلحن جميل ,وهي ترقب الأغنام ترعى , فلم تنتبه لوقع أقدام تقترب بهدوء ناحيتها ’, عندما إ لتفتت أخيرا لمحت شابا تملأ البثور الحمراء وجهه و تشع من عينيه نظرات لم ترتح لها كانت نظرات شريرة...
فلم تشعر بنفسها إلا وهي تركض بأقصى ما تستطيع باتجاه أخيها الذي كان عند "السدرة "الكبيرة يلتقط حبات" النبق",عندما عادت مع أخيها لمكان الأغنام كان الشاب المخيف قد إختفى......
مع غروب الشمس ساراالأخوان عائدين للقرية الصغيرة...كانت قرية جميلة تحيط بها أشجار النخيل والتين...و يمر جدول صافي بمحاذاتها,ولقد تعودت "درة " التي بلغت عامها الحادي عشر على الرعي مع أخوها ,خصوصا في فصــــــــل الصيف....
عندما أخبرت " درة " أمها بما حصل لها , إبتسمت قائلة : لا تخافي أنتي "مُقْفَلَة"" , ولا يمكن لرجل أن يلمسك مالم تفتح تلك الجروح مجددا....
هنا تذكرت " درة" بكثير من الخوف و الألم يوم أخذتها والدتها عند الحاجة " زوينة",والتي حفرت على فخذها الصغير بموس حلاقة حاد خطان عميقان ’, وهي تمتم بكلمات غير مفهومة ثم غمست قطعة سكر في دمها النازف و أجبرتها على أكلها ,كان ذلك منذ خمس سنوات.....
في تلك الليلة , رغم أن شعورا مريحا انتابها فهي محمية ولا يمكن لأي رجل أن يؤذيها,فقد إستقر في قلبها الصغير كره للرجل لأنه بسببه.- حسب تفكيرها البريء- تعرضت لذلك الألم الذي لا يمكنها أن تنساه, وقد قررت بأن لا تحب و لاتتزوج أبدا , هذا ما قررته هي , لكن القدر كان يخبئ لها أمرا أخر....
- بعد مرور أكثر من عشر سنوات صارت " درة " امرأة جذابة بعيون بنية حالمة وبشرة خمرية اللون ,أصبحت معلمة في مدرسة القرية ,كان كل شيء جيد, ولم يكن ينغص عليها راحتها إلا شعورها بحيرة وحزن والديها في عدم زواجها ,خاصة و أن جميع قريناتها تزوجن....
لقد فهمت "درة" أن ماحدث لها عندما كانت صغيرة كان عبارة عن سحر , حيث يتم ذكر طلاسم سحرية تصير بموجبها الفتاة في عهدة جني حارس ولن يتم التحرر منه مالم تقم المرأة المقصودة بإعادة فتح الجرح من جديد, و إكتشفت أن أغلب الفتيات قد حصل لهن مثل الذي حدث معها...
لقد كان الجهل في ذلك الوقت يعم القرية , ومادام الفعل من أجل شرف الفتاة و عائلتها فهو أمر صالح ومقبول ولا يلقى أي إعتراض, رغم بعض المآسي التي وقعت, حيث تم ذبح إحداهن من طرف زوجها في ليلة دخلتها حين ظن أنها ليست عذراء, وتم طرد أخرى مع أهلها التالي بعد عجز الرجل عن الإقتراب من الفتاة ...
كانت "درة " تسخر أحيانا من نفسها و تقول أن جنيها الحارس نزيه ويقوم بعمله على أكمل وجه ,حتى أنه لم يحرس جسدها فقط بل حتى قلبها , لم تعرف معنى الحب وتمنت من قلبها لو تحِب و تحَب ,تحول كرهها للرجل توقا وشوقا و إنتظارا ......
- لم يطل إنتظارها كثيرا ففي أحد الأيام الباردة ,و بينما كانت في طريقها للمدرسة,إلتقت به,كان شابا أنيقا تطبع وجهه البراءة و الطيبة , و يفتر ثغره عن إبتسامة لطيفة, تقابلت عيونهما وحدث ذلك الشيء الآسر الساحر, و كأن عيونهما تتبادل حوارا سريا لا يفهمه إلا العشاق, كأنه يقول " أخيرا وجدتك" وقلبها المشتاق يقول " أخير حضرت " ........
عندما إنتهت تلك اللحظات الخاطفة الرائعة التي تساوي العمر بحاله سألها بإرتباك عن مكان المدرسة , وردت عليه بخجل :إتبعني.......
لقد صار " نور الدين " زميلها في المدرسة , كان يلتقيان أحيانا بالصدفة ,لم يتبادلا من الكلام سوى السلام , لكن عيونهما كانت تقول الكثير, حتى كانت تلك الأمسية الدافئة الرائعة حين بقيت لوحدها في قاعة المعلمين من أجل تحضير الدرس , لتفا جأ به يدخل و يجلس بقربها, أحست برعشة جميلة تسيطر على جسدها, وبعد أن سألها على حالها قال:
-أنستي " درة" لا أدري كيف أبدأ .....وخيم صمت قصير
قطعه بكلمة خرجت من قلبه مباشرة لتدخل قلبها دون إستئذان "أحبك"
ثم أردف"أريدكي زوجة لي على سنة الله ورسوله" فما قولك؟
و بشفة مرتجفة قالت " نعم" و حمرة الخجل تكسو خديهاالناعمين...
هذه أغلى" نعم" أسمعها , صاح " نور الدين" , و عم المكان فرح و سعادة و حب...
تمت الخطبة و عقد الزواج بعد فترة قصيرة و لم يبق على ليلة العمر سوى أسبوع, كان الحب و السلام و الفرح يملأ قلب "درة" , لكن سعادتها إنقلبت لتعاسة حين سمعت نبأ وفاة " الحاجة زوينة" المرأة التي يجب أن تقوم بفتح الجرح من جديد و تحررها .....
عندما إلتقت مع خطيبها " نور الدين" و رأى الحزن يخيم عليها , أخذها لتقوم بنزهة أمام الجدول الجميل و هناك على إحدى التلال الجميلة’ , روت له " درة"حكايتها من الألف للياء.....
كان "نورالدين " يستمع بتركيز شديد, ولما إنتهت ضحك بشدة الأمر الذي أثار غضب درة و جعلها محتارة ....
لكنه خاطبها بكل هدوء وتروي " هل تثقين بي"
-نعم
-حسنا لا تخافي ستكون الأمور على مايرام ........
وتم الزفاف و كان رائعا للغاية, حتى إذا أسدل الليل خيوطه و إختلا الزوجان في غرفة النوم, و بعد أن صلى العاشقان ركعتان,إستلقت "درة" على الفراش", بدأ "نور الدين " في تلاوة آيات السحر عليها وبعد أن أتم الرقية .... , إقترب أكثر من " درة " و قبلها على جبينها ثم وجنتها وهمس في أذنها بصوت ملائكي" الليلة .....لن يقف في وجهي لا الجني الحارس و لا زعيم الجن نفسه" يادرتي الثمينة" ولم تشعر" درة" إلا وهي تستسلم لذراعيه الدافئتين ,وكانت تلك هي ليلتهما الخالدة الفريدة.
-تمت-