كانت تدور على نار هادئة، بيضاء نظيفة تحمر شيئا فشيئا، يداعبها لسان النار تارة فيثيرها وتحمر خجلا،
مستمرة في الدوران لا يكسر روتينها غير تحول لونها إلى الأحمر الشهي
وانطلاق رائحة زكية تداعب خياشيم الجوعى فتذكرهم بمائدة الطعام...
هي دجاجة من بين الدجاجات اللائي يدرن رغم عنهن داخل آلة الشواء...
كلهن للبيع، وكلهن معدات لسد جوع الزبائن،
ولكن قد تهب الرياح بما لا تشتهيه السفن، قد يكون مآل البعض غير ذلك...
---------------------------------------------------------------------------------------------
قام في الصباح الباكر، استحم وحلق ذقنه وتجمل، لم يستطع أن يقابل وجه زوجته على مائدة الصباح،
ولا النظر في أولاده الذين كانوا متوجهين إلى المدرسة،
هم يذكرونه بالحاجيات الكثيرة التي تتطلبها الدراسة،
وهو ليس في مزاج يسمح له بالتفكير فيهم وفي ما يحتاجونه...
المهم أن الدكان يبيعهم بالقرض، الحليب والخبز وبعض الخضروات..
لا يهم فلا أحد يموت من الجوع...
خرج خلسة كاللص من منزله، لم يودع زوجته،
لكنها رأته من النافذة بعينين أتعبهما الزمن وكثرة الدموع..
سيارة بائسة رخيصة قديمة، اشتراها قبل أيام قليلة، إنها ثمار التضحية والتقشف،
عجلاتها الأربع تساوي محافظ جديدة لأبنائه الأربعة،
وحلتها الداخلية تساوي حلة شتائية للزوجة التي أنحفها البرد،
وغذاءها من البنزين يساوي حليب المساء الذي تخلت عنه الأسرة قبل شهرين..
ركب سيارته وانطلق بسرعة...
---------------------------------------------------------------------------------------------
كعادتها قامت من فراشها متثاقلة، تسحب رجليها على أرض وسخة،
التحفت بإزار نجس كأنه بقايا جيفة،
سارت خطوات إلى طاولة التزيين الخاصة بها...
وفجأة رن الهاتف المحمول...
عادت بسرعة إلى الفراش، حملت وسادتها وأخرجته من تحتها...
نعم فهاتفها النقال نام تحت الوسادة بعد أن تعب من أحاديث الليل الماجنة..
(إنه.. هو.. أخيرا عاد إلي هذا الزبون) هكذا قالت في نفسها قبل أن ترد...
هذه هي عادتها لم تتركها وقد قارب سنها الأربعين..
كانت الدجاجة في مكانها تدور يكاد جلدها ييبس،
وكاد قلبها المشوي ييأس قبل أن يتوقف الرجل أبو الأولاد الأربعة
بسيارته البائسة ترافقه المرأة صاحبة الأربعة عقود وهي متبرجة تبرج الغراب بريش الطاووس،
طلاء وجهها مبالغ فيه كأنما تحاول أن تجاري فتيات اليوم من رفيقات دربها..
كانت الحيوية المصطنعة ظاهرة على محياها الجاف كأنها تحاول إخفاء التجاعيد...
وكان الرجل في قمة التوتر، كأنما يحتاج إلى جعة أو إلى ملفوفة حشيش ليهدئ باله..
ويا آسفاه على الدجاجة المسكينة التي كانت من نصيبهما،
تشبثت بعمود الشواء المغروز فيها كأنها لا تريد مرافقتهما..
لكن هيهات فقد بيعت إليهما رغما عن إرادتها...
بعد وقت قصير...
كنت أعمل بعيد عن مكاني المعتاد منهمكا
في شغلي دون أن أفكر في شيء أو أتذكر.. حتى رن هاتفي..
(إنه الدقة.. ماذا يريد؟) هكذا قلت في نفسي قبل أن أرد..
(أهلا أخي الدقة.. كيف حالك.. خيرا إن شاء الله).
(أهلا صــو.. الحمد لله، أردت أن أخبرك عن حادث مرور خطير،
في ذلك المكان حيث تتفرع طريق صغيرة إلى وادي الفاحشة).
(الله يستر، والحصيلة يا الدقة).
(اسمع يا صو، رجل وامرأة في حالة خطيرة،
ودجاجة قد تحولت إلى أشلاء من شدة الاصطدام..).
بعد ساعات... وفي المستشفى...
ماتت المرأة المشرفة على الأربعين سنة وهي حامل لجنين مجهول الوالد في شهورها الأُوَل،
الرجل أبو الأولاد الأربعة في العناية المركزة..
الزوجة تصيح في الناس وتقول من هذه التي برفقته...
ما أفجعني حقا هو مصير الدجاجة المسكينة التي لم يلتفت إليها أحد،
حيث بقيت مكانها إلى الليل حيث خلى المكان وصارت وجبة للكلاب.
ربيع 2012