لي أبي...لي أمي... ولي دموعي
في ذلك الركن المنزوي خلف الزقاق, وتحت عمالقة الإسفلت المتناثر هنا وهناك, وقد امتزجت به مختلف المواد البنائية الأخرى مكونة نماذج مختلفة من البنايات الشاهقة ومغطية في الوقت نفسه عن حيثيات واقع مهمش ومنسي, هناك كان الصوت المجروح يشدو : لي أبي.. لي أمي .... لي دموعي...
على البساط المزركش كانت اللعب موضوعة, دمى وسيارات, وأشياء أخرى متنوعة وبسيطة كأحلام الطفولة, وعلى الجانب الأيسر للغرفة الباردة صفت الأسرة الخشبية, وقد انبعثت منها روائح رطوبة امتزجت بروائح العرق فأعطت نكهة خاصة للفضاء... وبين الفينة والأخرى كان يعلو الصراخ منبعثا من أحد تلك الأسرة, فتتسارع إليه الأيادي آخذة إياه من سباته العميق, ومربتة على كتفيه, فيعود الصغير لغيبوبته, وتستمر أحلامه...
وفي تلك الليلة الممطرة, اشتدت الحمى على الطفلة الصغيرة, فأزعج عويلها أركان الميتم, وبدت كل الأسرة تتحرك معلنة رفضها لهذا الإزعاج المؤرق, فاستيقظت الممرضة من جديد مستطلعة الأمر, وتناولت الصغيرة من مكانها, وجلست تداعبها وتمسح وجهها الرقيق, ومتحسسة في الآن ذاته حرارة جسمها... وما هي إلا لحظات حتى همد ذلك الجسم الهزيل بين يديها, وانقطع بكاءه كما انقطع يوما عن حضن أمه, تلك التي تخلت عنه بعد ولادته مباشرة ملبية أمر عشيقها...
قبل أن تسلمها يد الممرضة إلى حضن السرير, إستيقظت الصغيرة تهذي قائلة : لي أبي... لي أمي.. فيجبها الصدى : ولي دموعي... لي دموعي...
إهداء : إلى دموع يتيم
بقلمي يوم : 18-12-2011 على : 14:21