أحبتي بمنتدى كووورة سودانية وزوّاره الكرام؛
تحياتي يسبقها احترامي الوافر لكم، وأتمنى لكم الصحة والسعادة وتمام العافية..

الرياضة أخلاق، والاعتذار جزء من كرم الأخلاق وصفةٌ جميلة، لكن الاعتذار صعب جداً على البعض؛ لأن الكِبر والتكبر صفتان تمنعان الاعتذار لأن صاحب هاتين الصفتين يرى الاعتذار نوع من الانكسار.

في العام 1991 كنت ألعب في الحي الذي أسكن فيه بالثورة الحارة التاسعة بمدينة أمدرمان مع شباب وأصدقاء نشأتُ معهم يعرفونني وأعرفهم.
في ذلك اليوم من تلك الأيام الجميلة في ذاك العام البعيد؛ انفعلتُ في أحد التدريبات مع صديقٍ عزيز يُدعى عثمان حسين.
بدأ باستفزازي، لكني انفعلتُ جداً وحمّلتُ الأمر أكثر مِمَّا يجب، فشتمته بصفة الغباء، وهو أكبر مني سِناً، فسَكَتَ صديقي عثمان لِبُرهَةٍ، ثم قال لي، أنا أحترمك يا صغيرون ولن أُسيء لك، أخجلني بكلماته، ووقتها لم أستطع الاعتذار، فانفعالي وثورتي لم تسعفني لأعتذر.
ذهبتُ بعد التدريب إلى المنزل، جاءني صديقي المقرّب وقريبي يوسف، وعنّفني على تصرُّفي السخيف مع الأخ عثمان، وأخبرني أن عثمان آتٍ إلى منزلي ليعتذر، سألته يعتذر لي؟ أجابني بنعم، يا سلام على الأخلاق والتواضع، قلت لصديقي يوسف، اذهب والحق به قبل أن يخرج من منزله، وقل له، لم أجد محمد بالمنزل، أو قل له خرج، أو ذهب إلى مناسبة، قل له أي شيء المهم؛ ألا يأتي.
استغرب صديقي يوسف من تصرُّفي وقال لي أنت لا تستحق أن يعتذر لك، وهو قد تنازل وأراد أن يأتي لك معتذراً رغم أنك المخطئ، فهل تريد أن تتكبّر وتُصِرَّ على موقفك وتكابر؟ قلتُ له، نعم.
خرج يوسف والدمعة في عينيه وقال لي أنت لا تستحق أن أُصادقك، فأنت متكبر ومتعجرف ولا تعرف الإنسانية، قلتُ له هذا رأيك وأنت حر في آرائك.
خرج يوسف صديقي واعتذر للأخ عثمان بأن صغيرون قد خرج لمناسبة بعيدة ولن يعود إلا بعد منتصف الليل، وانتهى الموضوع على تلك الخاتمة الدرامية.
حرصتُ في اليوم التالي على الذهاب إلى التدريب بالحي رغم التزامي بتديب النادي الذي أنتمي له، وهو نادي المريخ السوداني، حيث كنتُ ألعب لأشبال المريخ بالنادي وقتها.
وجدتُ الأخ عثمان الذي أسأتُ له في اليوم السابق، ولحسن الحظ حضر صديقي يوسف ولم يغِب عن التدريب، وتحاشيتُ أن أصافح الأخ عثمان، ولاحظ صديقي يوسف ذلك وغضب أشد الغضب، ورمقني بنظراتٍ ساخطة، وتحاشيتُ نظراته.
قبل أن نُجري عملية الإحماء التلقائية استأذنتُ مدرب الفريق الأخ كمال في كلمة بسيطة، استغرب من طلبي وقال لي، تفضّل يا صغيرون.
ألقيتُ تحية الإسلام على الجميع، وقلت لهم، لن أطيل عليكم، لكن بالأمس استفزّني الأخ عثمان حسين وانفعلتُ معه دون مبرر وأسأتُ له بكلمة غبي، ولم يرد عليَّ، وطلب الأخ عثمان من يوسف الذهاب قبله إلى منزلي ليبادر بالاعتذار، فجاءني يوسف لكني طلبتُ منه أن يُخبر عثمان بأني في مناسبة، وقد فعل.
واصلتُ حديثي لزملائي اللاعبين، بالأمس أخجلني سكوت أخي عثمان عن إساءتي له، وأدهشتني مبادرته للاعتذار وتصفية الأجواء رغم أنه من يستحق أن أعتذر له.
ورفضتُ مجيئه لمنزلي، حتى يأخذ حقه الأدبي والمعنوي أمامكم.
بمثلما أسأتُ له أمامكم، ها أنا أطلبُ منه الصفح والعفو أمامكم وأعتذرُ له وأُقـبِّل رأسه، وقبل أن أصل لأخي عثمان وجدته يبكي ويبادر لمعانقتي ووجدتُ دموعي الآسفة تشاركه فرحته الدامعة.
وجدت المدرب يمسح دموعه وكذا بعض اللاعبين من الحضور أدمعت عيونهم للموقف المؤثر.
تكلم بعدي المدرب كمال، وقال، هذه هي الرياضة، وهذه هي الأخلاق، وهذه صفات الرجال، فلا ينفع أن تسيء لإنسانٍ أمام الملأ وتعتذر له بينك وبينه.

20 سنة مضت على هذا الموقف، لكن صداه لم يزل يحكي روعة الإخاء وفضيلة الاعتذار، وحُسن الخلق.
لا أمدح نفسي، بل أمدح مَن يقبل العُذر ويُبادر بالتسامح رغم أنه المجني عليه، وأمدح من يملك نفساً صافية، وروحاً متسامحة، وينسى أو يتناسى ما حدث داخل الملعب، وخارج الملعب يسعى للتصافي والتسامح والعفو.

التحية لكل من يُخطئ ويُبادر بالاعتذار، دون تردد، ودون حياء، ودون تكبُّر، ودون استعلاء، ودون أن يترك الأمر للأيام كي تُصلح ما أفسده بأخطائه تجاه الآخرين.



|