حول معاناة الطبقة البورجوازية ..
الفصـول الأربعـة
امتداد شاسع من الفيلات الراقية ، التي يعم أنحاءها دلك الصمت ، صمتٌ رهيب لا يكسره سوى هدير السيارات التي تنطلق أو تعود من وسط المدينة ، صمت يعجب كل زائر لدلك الفضاء المكاني الواسع ، لأنه عنوان للهدوء والسكينة ، لكن .. هيهات ، هيهيات هيهات ، أن يكون هدا الهدوء والاستقرار في داخل تلك الفيلات ، التي بنيت بالملايين المئات ، لكن مئات من أهل تلك الأبنية الاسمنتية وأمثالها في العالم ، قد ماتوا ، وأجرموا في حق أنفسهم ، ليدرك أصدقاؤهم فيما بعد ، ـ وعندما يفوت الأوان ـ أن تلك الدراهم والدولارات ، الملايين والمليارات ، لا يمكن أن تعوض أبناءًا قد انحلوا وهربوا ، أو آباءاً قد شردوا ، ورموا في دور العجزة ثم ماتوا ، لا يمكن أن تعوض لساناً مفقوداً ، أو أن تشفي سرطاناً منبوداً ، لا يمكن أن تعالج عاهة دائمة ، ولا أن تربي بنتاً عاهرة ، وأنها أيضاً لا يمكن أن تعيد الحياة لملايين الأشخاص من أمثالهم ، الدين قضوا تلك الحياة في الفجور والخمور ، والفساد والافساد ، لا يمكن أن تعيدهم ، فكيف أن تنقدهم من نارٍ ستكوى بها أجسادهم ؟ وأدركوا أيضاً أن دلك قدرهم الدي لا يختلف عن اخوانهم ، قدر العيش وسط الدولار والاورو ، أدركوا كل دلك ، ولكن .. عندما فات الأوان .
ويا للأسى ، يا للأسى لأنه ـ هو ـ قدر له أن يعيش في تلك البيئة ، بيئة ظاهرها النعيم وباطنها الجحيم ، لم يمض على فتح عينيه على هده الجنة الظاهرية أكثر من ستة عشر ربيعاً ، لكنه لم يشعر بطعم الربيع حتى الآن ، فهو قد اعتاد على السفر في الربيع عند عمه في باريس ، أو جدته في ماستريخت ، من المدينة الى المدينة ، دون أن يفتح عينيه ويكتشف بنفسه دلك العالم الفسيح ، الدي لم يشأ أن يستمتعوا ، هم ، بملذاته الفكرية الذاتية الرهيبة ، عالم تتسيده القرى والغابات و الأشجار والأنهار والتضاريس الكونية الطبيعية ، التي صنعها الخالق ، ليست مثل تلك الكتل الاسمنتية التي صنعت على أيدي مخلوقين ، هدا في الربيع .. أما في الصيف الساخن فان مسابح " عين الدياب " ، والتي هي اسم على مسمى مرتاديه الأشقياء ، كانت محطتهم الرئيسية صيفياً حتى اتخدوها عادة أسرية ، لا يمر يوم ساخن دون هده العادة ، يوم نهاره في فيلتهم المكيفة بأربعة أجهزة تكييف ، و مساءٌ في تلك المسابح والشواطئ ، التي يتعرون فيها كباقي الهياكل العظمية المصطفة قرب البحر ، بما في دلك أمه الكهلة ، وأخته التي تقاربه سناً ، دونما احساسٍ من الأب بقليل من الغيرة والخنقة ، والطعنة في الشرف والطهارة ، لأن زوجته وابنته ، تعرتا كاملتين ، أو شبه كاملتين ، لم يبق على جسديهما سوى بضع خرقات غير كفيلة بستر تضاريس الجسد ، هكدا ليصبحا جزءاً من صاحبات الأجساد العارية كيوم ولدتهن أمهاتهن ، انه لا يجهل ، بل يتجاهل ، أن المكان مليء بالذئاب ، لأنه ببساطة " عين الذئاب " ، و يتناسى أن فوقه بالمقاهي كثيراً من تلك الأعين الفضولية المتلصصة ، ذات النظرات المسمومة ، وكل هدا بدافع عضو يتحرك بشدة في هكدا مواقف ، كل هدا يعرفه تمام المعرفة ، ولكن لأن الشرف ليس بالشيء المادي المحسوس ، كالدرهم والدينار ، فيصعب عليه أن يرتقي لهكدا أحاسيس .
أما هو ، فانه لا يكترث ، كل ما كان يهمه حينها ، أن يجد جسداً مراهقاً فتياً يقضي معه أمسية صيفية جميلة على الشاطئ ، ولم يكن يفكر ، أبداً ، في أن عشرات المراهقين من أمثاله ، متربصين بأخته نور ، تربص الذئاب بأعينهم الجائعة ، فكما أنه يحاول أن يجد جسداً يمتع به ناظريه ، ولم لا شيء آخر غير ناظريه ؟ ، فان هناك آخرين قد وجدوا ضالتهم في الجسد الممتلئ الدي يجلس الى جانبه ، دلك أنه لم يفكر في أن دلك الجسد الدي يبحث عنه ، هو ، ملكٌ لأخت ولد آخر ، ولكن لأنه لم يكن يطبق مبدأ " كما تدين تدان " ، فما كان له أن يفكر في الأمر ..
وهكدا .. فانهم ، أسرته ـ هو ـ بخصامهم مع الطبيعة لا يحسون بالربيع ، وباعتيادهم على أحدث المكيفات لا يستشعرون حر الصيف ، ومع الألبسة الباهظة والأغطية الناعمة ، لا يتأثرون بالبرد والشتاء ، ومع سهرهم الليالي في الأفلام والمسلسلات والسهرات والملهيات لا يخيفهم ظلام الليل ، فيكون صيفهم كشتاءهم ، نهارهم كليلهم، ابنة أبيهم وزوجته كأي من نساء الشواطئ العاريات ، ولم لا نكون أكثر وضوحاً فنقول .. حياتهم كمماتهم .. ! ، وعندها يمكن القول أنه من السهل أن يحاول أحدهم الموت .