عندما نظرت في عيونها ، ملكتني الرهبة ، وأخذت العبرات تستدر من مؤق عيوني ، لأنها كانت مصابة بالعمى ! كان الوقت مساءاً إذ ذاك ، لمحتها على حين غرة في شارع عام ، ولم أتمكن من إبعادها عن عوالم خيالي ، لأن صورتها ظلت ترواح داخلي ، يا ترى كيف تعيش تلك الفتاة دون عيونها ؟ ظل ذلك التساؤل يرتق نوافذ أفكاري .. فكرت للحظة ، هل تشعر بالسعادة لأنها لا ترى الحقد في عيون البشر ، ولا تبصر وضاعة أفكار البعض ؟ هكذا مرت لحظة خاطفة لكنها مكنتني من أقتناص فرصة التحليق بعيداً عن هذا العالم .. كانت تبتسم ، ابتسامة لا تعرف معنى التمثيل ، أو تحمل معنى مشوب بالأنانية ، عندما تعثرت ، صاحت أمها وأخذتها من يدها ، وقالت لها : أنتبهي بنيتي أمامك الرصيف ، مرة أخرى توقف الوقت أمامي ، وكأني قطعة من الجليد ، راحت أمنياتي تطوف حولها كطوفان السنين في أيام الدنيا ، تمنيت أن تبصر وترى الأشياء ، كما نراها نحن ، شعرت حينها ، أنها فهمت ما كان يجوب في مديات خيالي ، وكأنها تفطنت لصراع افكاري ، بعدما أصبحت تقف أمامي ، وكأنها تقول :
إني أفضل أن اكون عمياء على أن أرى ظلم البشر ، وأرى النور في قلبي على أن أرى النور المصطنع في زوايا حياتكم القاتمة ، أفضل أن أكون كما أنا لأن الله أبقى بداخلي ذلك الضياء الذي ينبعث من أعماق الروح ، ولم أزل كذلك لا أعرف معنى الحقد الذي تتغنون به ، ولا أدرك عشقكم للمظاهر والتعلق بالمفاسد ، أن الله أكرمني بإن أعطاني عيون أبكي فيها عندما أشعر بالخوف أو الأشتياق ، لكني لا أرى فيها فراق الأحبة ، أنا أفضل أن أكون عمياء أيها الشاب على أن أكون مظلمة القلب مقفرة المشاعر ، فالمشاعر ملجأ الأرواح الصالحة ، ولا يمكن للعيون التي تبصر الوحشية والخداع ، أن تتلذ بمعانقة شعور المحبة الحقيقية .. أنا عمياء في نظركم أنتم ، وفي عيوني ربي فأنا أبصر ما لا تبصرون ، وأشعر بما لا تشعرون ، لا تحزن لأن الله جلعني أبدو لكم كما ترون ، بل أرثي نفسك وكل من يدعي بأنه يرى ، أن الله منحني الحرية ، وأبعدني عن ملاحقة ما تلاحقوه في حياتكم ..
تسمرت في مكاني بعدما تخطت مكان وقوفي ، ورحت أقول في نفسي ما أجملك أيتها الروح الطاهرة ، ليت الله يمن عليك بالسعادة مهما بقيت انفاسك تتصاعد ، مرت وتركت بنفسي الكثير من الأمل ، فليت روحي التي لا تنفك أن تكون ذرة من عظمة صبر تلك المسكينة، وترى بعين القلب أنه ما من شيء يستحق العذاب والألم ...
*************
بقلمي
وإهداء إلى أختي الطيبة صفا عدي
شهد ع
هشام
اسراء