طيف الأمواج
كانت شاردة في أفكارها الطوباوية, كعادتها عندما تجلس لتتأمل في تراكم الأمواج, وريح تلعب بخصلاتها الذهبية, وكوب القهوة قد أدفئ يديها, بينما بقي جسمها الهزيل منطويا في لباس فضفاض, كأنما نسيت أنا المارة لن يتهامسوا عليها بسخرية أو دعابة مبالغة, فقد اعتادت أن تنعتها الأيادي الصغيرة والكبيرة, وتتجمع حول عتبتها كومة الأقاويل الكاذبة, ولا تجد من يصدها, سوى صدى الأطياف, بعد غياب اختطف زوجها لما يزيد عن ثلاثة أشهر, في وسط البحر, وراء تلك الأمواج, حيث استقر صيادا محترف, يبحث عن قوت يومه, فربما كفاه وإياها استجداء الأيادي الصلبة.
تناهى إلى صمتها والشرود صيحة صبي, يركض خلف أبيه ويشير بأصبعه إلى ما وراء الزرقة, هناك بدا اليخت عائما تتقاذفه الأمواج, كما تقاذفت رياح الزمن أساطير الحب القديم, وتختلط الهلوسات الجنونية بانكسارات الواقع, وتذوب سويعات الفرحة عندما تلمسها أنامل اليأس...
هرولت إلى الضفة, وتسمرت عيناها إلى شبح قادم من بعيد, كأنما رمت به دوامة الزمن إلى حاضر آخر. اقترب المركب, وبدت لها ملامح إنسان تتبدى شيئا فشيئا... فلم تتمالك نفسها, وأخذت تتقدم متجاهلة خطر الغرق, وارتطاماتها بالصخور الحادة...
فالتقت الأيادي, وسرى في القلوب دم جديد, بعد أن كادت الأجسام تتصلب أمام صقيع هواجس الفراق الأبدي, وبدت الأشياء تأخذ لونها الطبيعي, ونسيت هي أنها كانت شاردة في أفكارها الطوباوية, عندما جلست لتتأمل في تراكم الأمواج.
بقلمي, انتهت بـ 17:02 يوم 2011-10-9