تقدمت نحوي بخطوتها الواثقة وعلى وجهها ابتسامة رسمتها بكل برائة حين تقابلت اعيننا.. وقفت امامي وهزت بيديها ماتحمله في اشارة بأن انظره.. انها محفظتها الصغيرة , وضعت بداخلها كل ادواتها المدرسية.. بادلتها الابتسامة وانا المح في عينيها نظرات الفخر والاصرار وكأنها تعلمني بأنها كبرت , فرحة بما لديها وكأنه انجاز عظيم..! تهت في عيناها وكل ما يدور في خاطرها في تلك اللحظة واذ بها تنحني لتطبع على خدي قبلة ايقضتني من كل تصوراتي...!
ذلك الجسد الصغير بدت في داخله نيران مستعرة وعزم يقول بأنه لا ينثني..! ناولتني محفظتها لتريني كل ما بداخلها وذلك البريق في عيناها يرجني رجا...! لا شك ان سر ذلك البريق هو جهلها بما تخفيه دوائر الايام المقبلة ! ام اني على خطأ وان عيناها صافيتان لا ترى الا الحقيقة التي خلقت في الازل !؟ اينا اصوب ؟ عقل يظن بأنه مدرك , خزن معارفه التي عثر عليها والتي اقحمت فيه ! ام صفحتها البيضاء التي تلمع مثل المرآة تعكس مقبلها ؟
اخذت تخرج امامي تلك الادوات , مبراتها التي على شكل سلحفة , علبة الطباشير , ممحاتها وكراستها بغلافها اللماع... ثم امتدت يدها الصغيرة بكل رشاقة وكأنها تصرخ بكل اللهفة واخرجت اوراق الرسم واقلام الزينة.. في تلك اللحظة وجدت نفسي وانا في سنها فرح بما احمل واتجه نحو شروق الشمس...
تركتني وقد ايقضت في داخلي براكين ترمي بحممها لتخرقني وانا احترق بنيران الواقع وحسرة الامل الضائع... تمنيت ان امتلك عيون طفل صغير لا يرى عقله وقلبه الا الوان قوس قزح او سحابة بيضاء في سماء صافية... حينها انتفضت لأبعد دموعي عن مجال الرأية فقد قررت ان اعود ولو للحظات... سرت مسرعا الى المكتبة لألغي اي مجال للتردد , احث الخطى نحو ذلك الطريق الذي كان مسلكي المعتاد وانا اناور مع كل خطوة اخطوها لأبعد انياب الذكرى وصفعاتها حتى لا استفيق...! ها انا امام بابها منجديد , بدى وكأنه لم يتغير شيئ هي كما هي ! بادرني الحاج يحيى بالسلام وصافحني فرحا بقدومي...اما انا فقد كنت ذلك الابله الذي لم يزد على رد السلام وناولته ورقة صغيرة كتبت فيها اللوازم التي سأشتريها... لم اقوى على النطق كنت اعلم اني لن استطيع فقط انظرت ان ناولني اللوازم , عدتي التي سأعود بها الى من كنت ابحث عنه , ذلك الضائع مني وعني...! فكانت طريق العودة بلا ذكرة في دماغي ولم يلحظها بصري فقد مرت بسرعة الضوء ..! اقفلت علي بابي وافرغت محتوى الكيس على السرير بجانبي , بسط اوراق الرسم واخرجت قلم الرصاص لأرسم.. ولكن ماذا سأرسم يا ترى ؟ بحثت وبحثت في داخلي فلم اجد سوى نداء يلح علي مرارا وتكرارا " ارسم حقل اخضر سرب طيور في السماء عائدة الى اعشاشها وفلاحين يعملون بجد وضف في سورتك جدول ماء وقطيع من الاغنام يرعى بأمان والراعي الامين يداعب مزماره بأعذب اللحان... ثم ارسم بلبلا يغرد فوق بيوت اهلها آمنين تجمعهم المحبة بلا أنانية ولا ضغينة.. " أنهيت كل أوامر رغبتي ورفعت الورقة لأتأملها وإذ هي باللون الرمادي لون الرصاص ! حينهم عرفت لما تكون بتلك الهيئة ؟ إنها وان بدت رمادية موحشة من النظرة الأولى إلا إنني قادر على تصحيح عيوبها وامحوها ... هناك أدركت لما لا نرسم بأقلام الزينة مباشرة ! حتى نمحي الخطأ ونجعل إرادتنا مكانه... حتى ننهيها ونزينها لتكون الابتسامة الواثقة.
اهداء خاص الى بانسية / رسالة
سامحاني ان كانت الاقدار قالت كلمتها وكان الفراق
سامحاني ان بدى مني تقصير او خطأ في حقكم...
لن انساكم واتمنى ان تبقوا معنا 