لم أكن أعلم أن الحب بهذا الجمال والروعة حتى إلتقيتها! هي فتاة لم تتجاوز الخامسة والعشرين من عمرها..رافقتها أياما طوالا في مراحل مختلفة من حياتي..رافقتها لحظات..لكنها الأغلى بالنسبة إلي , الأكثر عمقاً في تفكيري..
اسمها فاطمة , هي الزهراء , زهراء العمر بالنسبة إلي..لن أطيل عليكم الكلام , وسأسرد محتوى ذاكرتي كما يأتي..
مرت من أمام متجري..تبسمت لي..آه! كم أعشق سحر بسمتها.. مضت فترة مطولة من العمر وأنا أحاول كشف معاني هذه الابتسامة الخفية لكنني عجزت مطولاً..وقفت وببسمة أمل توجهت إلي بسؤال لطيف...
- مرحباً..هل يوجد لديك بطاقات تشريج لهاتفي؟
ارتبكت..لم أدري ماذا قد يلفظ لساني رغماً عني..
- نعم..لديه..(أجابتها أختي الكبيرة)
تبسمت مجدداً ومدت يدها نحوي...يا الهي ,ماذا سأفعل..أأمد يدي ينحوها مصافحاً..أم أتجنب المصافحة..يا الله ماذا اصنع؟!
- مروان؟ ألا تريد اخذ المال مني وإعطائي البطاقة؟
صعقت..ولعلي أحرجت كما لم أحرج في تاريخ حياتي بأكملها.. تصنعت بسمة أو لعلها ضحكة ثم أخذت منها النقود وأعطيتها شريحة هاتف..استدارت كأنها تخرج من حياتي بأكملها لا من المتجر..وقبل أن تطأ قدميها العتبة الخارجية,التفتت إلي وقالت:
- هذا هو رقم هاتفي الذي كنت مراراً وتكرارا تسأل صهري عنه خلسة وعلانية..كان من المجدي أن تأخذه مني لا أن تسأل الناس عنه!
مجدداً حبستني سلاسل الصمت عن النطق..ثم بادرت شفاهي إلى التحرك العشوائي مستعينة بباقة ثرثرة عهدتها من ذاكرتي..
- صدقاً لم أتشجع يوماً للكلام معك بخصوصه..اعني كنت أمزح مع صهرك بطلبي رقم هاتفك..أعني لم احتاجه..قد يكون لمجرد المعايدة نعم..معايدة أسرتك..فقط لا أكثر..لقد ضخم نزيه (صهرها) القضية .."
- وهل المعايدة تحتاج لرقم هاتف؟؟ منزلنا قريب..ولا أظن أن أحدا من أهلي قد وضع عوائق من أي نوع للمعايدين..أتراني مخطئة؟!
- ..آه..لا لا طبعاً لا..
- حسناً إلى اللقاء..إن أردت أي شيء..صارحني ببساطة..
- إن شاء الله..صحيح إلى أين أنت ذاهبة؟
- إلى التلة المجاورة..أبي يحاول بناء منزل ثان لنا هناك فوق قطعة الأرض التي اشتريناها مؤخراً..وكثير من أقاربك يحاولون منعنا من البناء..
- آها..حسناً موفقة..إلى اللقاء..
- إلى اللقاء..
أعادت رسم سحر بسمتها وانطلقت بعيداً عني..
- هذه فرصتك الوحيدة يا أخي (نطق ثغر مصطفى أخي الأصغر).
- انك تحبها منذ سنوات..والآن هي اللحظة المناسبة لإثبات حبك لها ولفت انتباهها إليك..
- وكيف ذلك يا زكي؟ (أجبته بازدراء مصطنع ولهفة مكتومة في داخلي...)
- أقرباؤنا يحاولون منع أهلها من بناء المنزل هناك..إن وقفت بجوارهم لن يجرؤ احد على الاعتداء عليهم وبالتالي ستتحول إلى بطل بنظرها..والى صهر يحتاجه الأب لإثبات نفسه وضمان أمنه...
- فكرة ممتازة..شكرا يا زعيم...
وسارعت إلى مغادرة المتجر متجها جنوباً صوب التلة المجاورة حيث الغد المنتظر..حيث الحلم الذي طال انتظار إشراقه..
سرت تحت أشعة شمس الظهيرة, لا يمنعني لهيب الصيف من متابعة مشواري,هو مشوار العمر..هي الخطوة التي تأخرت مراراً وتكراراً عن القيام بها , الآن حانت لحظة اللا عودة..انظر إلى الجهة المقابلة أرى جموعاً من الدرك (الشرطة المحلية) وعددا كبير من قوات الجيش... عجباً أأتوا جميعاً لمنع أسرة فقيرة من بناء منزل لها؟! تباً يا للظلم...رفعت جهازي النقال وطلبت رقمها للمرة الأولى...ثواني وأقفلت السماعة..ولعل الثواني لم تمهل ضعفي إذا بهاتفي يرن..والرقم رقمها..تمهلت قليلاً عن الإجابة لكن أناملي باغتتني ...
- آلو...آلو..مروان هل تسمعني؟ أما زلت على الخط؟!
- آه...أي نعم..آلو..كيف الحال؟
- هناك العديد من القوى الأمنية..تطوقنا من كل ناحية..ولكننا صنعنا حاجزاً بشريا من النسوة لمنعهم من إيقاف العمال..
- حسناً ..أتحتاجين أي شيء مني؟
- تعال..انضم إلينا إن شئت..
- -إنا في طريقي...
- آآآآآآآآآآآآآآآآآ...طخ..طخ..
كانت أصوات نسوة يصرخن..وسماع طلقات رصاص متزامنة..
-آلو فاطمة..آلو...
لم اسمع إجابة..جن جنوني..وهرولت دون دراية باتجاهها..
- ارجع..ارجع..
صاح احد رجالات الدرك وصوب بندقيته باتجاهي..خفت..يكاد الرجل يضغط على الزناد..وسرعان ما خطر ببالي فكرة جنونية...
- أطلق النار..منزل أختي هناك ولن أتراجع....
تقدمت بخطى مترددة ولكنني سرعان ما سرعتها ومشيت ببطء دون خوف أو وجل..ركضت باتجاه سر غموضي ,باتجاه الفتاة التي حلمت مطولاً أن تكون زوجة لي...موقف لا احسد عليه..وصلت إلى موقع الحدث...بضعة نسوة يبكين وأخريات يشتمن القاصي والداني... تنفست الصعداء ثم اعتليت الدرج وتوجهت للبحث عنها...
كانت تقف في زاوية غير بعيدة,تستمع لثرثرة بعض النسوة..اقتربت منها وألقيت السلام...
- ماذا تريدون منا؟! لماذا تصنعون بنا ما انتم صانعون؟ ارحل .. دعنا وشأننا..أجئت لتتهكم بنا وبحالتنا؟!!..وقح بحق انت
ويحي من لسانها..انه فعلا قاسِ!!!!!!!!!!!!!!
تتبع....