أعيد تصور نهايته واراها مجردة أمامي ! هي كشيء هوى من أعلى عليين وارتطم بالأرض فأثار سقوطه هالات من الأتربة والغابر..!!
هكذا كانت جنازته وموته.. في ذلك اليوم وأيام تلته.. لم يكن هناك حديث بين أهالي الحي إلا سيرته ! كأنه لعنة كانوا يخافون الاقتراب منه أو الحديث عنه حتى انتهى فكان موته هو الضوء الأخضر الذي انتظرته الألسن !!
هذه هي مقدمتي التي اخترتها كمنصة إعدام , إعدام تلك الجثة وخنقها...! وسوف استحمل رائحته النتنة وعناء النظر إليه !! اجل قررت الكتابة عنه , قررت تصور كل مشاهد الحكاية , قررت أن ارسمه وازينه بحقدي الأسود عليه...
سكن ذلك الحي المتواضع منذ عام ونص تقريبا.. كان شخص غامض لا يحاول الاختلاط بأحد , يعيش فقط في الظلام ليلا نهارا ! لم نرى قط انه يشعل النور في غرفته !! أمره كان مريب كأخباره التي كانت تنقل عنه في تلك الفترة.. انه المومياء التي كانت تفزع كل الأهالي بكبيرهم وصغيرهم !!
" الزير سالم" هكذا كانوا يلقبونه وهكذا كان فعلا ذلك الشاب الوسيم من العائلة الغنية !! قصر , خدم وحشم , سيارة يغير موديلها كل عام ورفقاء أطلقوا عليه اسم الزير سالم
كان كتلة من العجرفة والغرور المزيف , تعود على النظر للأشياء من أعلى ! يسير ذلك " البرنس" ومعه حاشيته يحيطون به ويتلقفون الفتات الذي كان يرميه لهم ليزيد من شمخته !! كان الملك الذي رغباته و أوامره تنفذ بإشارة من الوسطى والإبهام !
له كرسي وعرش في كل حانة وكأس لا يفرغ أبدا..! كان الأمير في أي وقت وفي أي مكان ! يقتل بكل برود ثم يبتسم للضحية ويترك لها وردة حمراء على حافة السرير !! أ شهريار هو أم ثعبان يمتص من دم الفريسة ويطبق على الإنسانية فيها فيستلها ويخنقها ! ثم يقوم وينتفض ليسقط لها ما في جيوبه !! ثم يغدو بضمير مرتاح فقط فعل ما عليه واخذ منها قبلة الرضى والامتنان !!
هكذا كان الزير لكن سالم لم يبقى سالما ! سحبته الرحى وأخذت في سلخه بكل بطأ ! خسر ماله في نوادي القمار وخسر معه حاشيته التي كانت حوله وتمجده..! هذا هو السقوط من أعلى سقوط سريع لا يملك له حائل أو دافع وهو في كل مرة يتنازل عن قطعة من ملكه حتى باع الكرسي والعرش وأصبح خفاش في تلك الغرفة لا يجرئ حتى على إنارتها لكي لا يرى نفسه ففزعه منظره...! حتى تعفن فيها وهو يحتضن زجاجته وكأسه الفارغ...
هكذا انتهى الزير سالم ! ولكن مازلت اعتقد انه موجود وساري المفعول في مجهول ومجهول..................