لــــ"ن"
مدخل موصد
"عندما يباغتك الموت من الخلف فتأكد من أن هناك أشياء كثيرة سوف تفوتك"
"فدوى يومة"
يوم خريفي اخر،ذلك العصفور الذي تعود ان ينام على حافة نافذتي غادرني هذا الصباح،حتى انني لم استطع ان الحق ببقايا لحنه، فتشبث ببعض ما بقي في الذاكرة..أبي جالس على الكنبة، عندما وصلته رائحة القهوة طرطق باطراف اصابعه وتمتم بصوت هامس:
- سنشرب القهوة ؟
لمحت فرحة ارتسمت في عينيه، فقدمت له فنجان القهوة ورميت بنصائح الطبيب جانبا،الموت لا يختارنا ،فما نفع ان نموت ونحن مغروسين في حرماننا مما نشتهي،ارتشف فنجانه بهدوء وكذلك فعلت، رتبت بعض الامور العالقة قبل ان اعانق فضاء الكون ،خرجت اسابق الريح ،امسك بيد الصباح واتمتم بعض الدعوات ،بعض من ذلك اللحن الفيروزي مازال يسكنني كلما سلكت الطريق نحو العمل، "اديش كان في ناس عل مفرق تنطر ناس وانا في ايامي الشتا محد نطرني" ذلك المجنون أو العاقل يرمي بجسده في برميل القمامة يبحث عن شيء يطرد به جوع الصباح ،أطفال حينا ككل يوم يشتمون، يضحكون، يتسابقون نحو المجهول ،حاملين كراريس معضمهم لا يهتمون لأمرها.أمام المدرسة الاعدادية تتغير الصورة، من كانوا صغارا اصبحوا كبارا يطاردون العيون، يبحثون عن نصفهم الاخر ،معلقين على جدار الزمن انفاسهم المتلاحقة ،وعيونهم الباحثة عن شيء قد يجده البعض ،وقد يضيعه آخرين ،مررت وسط اجسادهم، انتبه البعض لوجودي ولم يبصرني البعض ،غير انني كنت ابصر الجميع ،تلك الفتاة التي تحمل بيدها كتابا ،لم تمنحني فرصة قراءة عنوانه ،شفتها تنطقان بشيء، لعلها تحاول ان تستذكر ما فاتها ان تستذكره ،وذلك الاخر يمشي بجانب اخرى بين الحين والحين يلتصق بجسدها، فتبتعد ويبتعد هو وابتسامة معلقة على شفتيه، وأخرى تتحدث في الهاتف ،صديقتها ملتصقة به كهي، يستمعان لحديث قد يطول بهما أو يقصر ،كهذا الشارع الذي يمتد بلا نهاية ،وجه الصباح تبدل،أاصبح غائما وكل غائم يذكرني بك، صورتك ابصرها في كل الوجوه ،صوتك يخيل إلي أنني اسمعه ،سؤالك عني ،فأجيبك أنني بخير،تعجبك من ردي ،وسؤالك الحائر كأنت أحقا. !!وقبل أن أجيب ،ارتطم بي شيء من الخلف، لم أعرف ما هو، ركضت أبحث عني فما وجدتني ،كان جسدي ممدد على الارض ،وظلي واقف بلا حراك ينتظر متى أقطع الشارع كعادتي ،أن ألتفت ذات يمين ويسار قبل أن أفعل، ألم تكثر أمي من نصحها لي، عندما كنت طفلة وصبية، ألم تنهني دوماً عن السباق مع الزمن ،الم تخبرني مرارا أن اطرد عني أفكاري عندما أكون أنا والطريق جنبا إلى جنب ،وانتظر ظلي أن يستيقظ جسدي من غفوته الصباحية، أن يرحل الجميع من حولي حتى يراني، وقفت سيدة بجانبي أزاحت عنها ذلك الشال البني الذي كان يغطي كتفها ووضعته على جسدي ،تلك الفتاة وصديقتها ما تزالان تتحدثان في الهاتف، لم يهتما لأمري ،وقفت تلك التي لم تمنحني فرصة قراءة عنوان كتابها، علق الحزن بها، توقفت، واستمرت في جديد في المشي كانها تطرد عنها شيئا يطاردها ،يد امتدت لتستر الباقي مني، وسؤال حائر في الفضاء :كيف وقع ذلك؟
وجواب حائر مثل السؤال :-لم تنتبه للطريق.ظلي مازال واقف بلا حراك ينتظر، غلبه الانتظار فاقترب مني ،وتلك الجملة يتردد صداها في كله، "عندما يباغتك الموت من الخلف فتأكد من أن أشياء كثيرة سوف تفوتك"فاتتني أشياء كثيرة ذلك الصباح، فاتني ان اعانق وجه امي الشاحب وهي تدعوا معي بالستر، فاتني ان اجيب عن سؤال أبي :هل ستتأخرين هذا المساء.؟فاتني أن تكون ذاكرتي خالية من أي شيء إلا من الله ،فاتني ان استغفر الله كثيرا ،وان اتمنى كما كنت أتمنى كل صباح، أن يأتيني الموت من الأمام ،حتى أراه فابتسم له وأردد، أشهد ان لا الله إلا الله واشهد أن محمدا رسول الله.
مخرج لا بد منه
"إن الموت يختار ضحاياه ربما ليريحهم من قذارة عيش لم يكن بمقدورهم أن يتعاملوا معه"
"محمد يوسف الصليبي "
"ن"