تقدم نحو المَطبخ بخطوات سريعة هو يقتفي أثر الرائحة الزكية، و عِندما وقف عند بابه تثائب ثم فرك شعره ببلادة، و لم يفتح عينيه إلا على الكَعكة التي أخرجتها للتو من الفرن، رمقته بِنظرات من الريبة و الشك و هي تبتسم في وجهه، فبتبسم هو الآخر في وجهها بتِلقائية كبيرة، ثم تقدم منها و جلس بقربها و سَألها بلهفة :
هل لي بالمُساعدة ؟!
لم تستطع تمالك نفسِها، فقهقهت بالضَّحك ثم قالت له :
صباح الخير أولاً..
أما عن الخِدمة التي يمكن لك أن تسديها لي، هي في أن تتوجه فوراً إلى الحمام،
و أن تحاول قدر الإمكان غسل وجهك كاملاً، و ليس تبليله ببعض قطرات المياه كعادتك دائماً.
فقال بِعفوية :
لا ليسَ هذا، فقد عنيت فقط مساعدتك في تقطِيع الكعكة مثلاً إلى شطائر.
فقالت له مُبتسمة و هي تحمل في يدها الخلاط :
يبدو أن فكرتي لم تصِلك بعد،
إذهب و إغسل يديك و وجهك جيداً،
ثم إلزم غُرفة الصالة إلى حين أن أعد الشاي و يستيقظ الجميع،
ثم ما هذا النشاط الإستثنائي و في صَبيحة يوم الأحد ؟!
قام من جَنبها و هو يهرول كأنه يفر بجلده، و بعد أن نفذ كُل ما طلبت منه، جلس في الصالة و شغل جهاز التلفاز، إلا أنه لم يكن يحس بأدنى متعة و هو يشاهد سِلسلات الرسوم المتحركة، و شعر بأن الدقائق كَانت تمر عليه كأنها الدهر كله.
و بعد مرور خمسة دقائق تقريباً، قفز مِن مكانه ثم تسلل حافي القدمين إلى المطبخ و وقف خلف بابه، في هذه الأثناء كَانت الإبتسامة تعلو محياها بعد أن لمحت ظله، ثم تَظاهرت بأنها تنادي عليه، و قبل أن تكمل نطق حُروف إسمه، كان واقفاً بين يديها كمارد القنديل، ضَحكت ثم قالت له :
يبدو أني سَأحتاج مكرهة لخدماتك.
و قبل أن تتم حديثها قاطعها قائلاً :
نعم، هل سَأقوم بتقطيع الكعكة إلى شطائر..
فقالت له بِسخرية و هي تناوله السكين :
لا، و لكنك سَتقوم بتذوق قطعة واحدة منها لا أكثر، ثم تخبرني بِرأيك.
إبتسم إبتسَامة نصرٍ عريضة و هو بالكاد يصدق نفسه، فأخذ الكَعكة و وضعها بين يديه، ثم إنتهز فرصة إنشغالها و شَطرها إلى قطعتين، و قبل أن يقضِمها بأسنانه، كانت أناملها تجره من أذنه و هي تقول له :
يبدو فعلاً أنك قد أسأت فهمي.
بقلمِي...