( و هِي الحَياة ) بقلمِي...
ط·آ¢ط·آ®ط·آ±
ط·آ§ط¸â€‍ط·آµط¸ظ¾ط·آ­ط·آ©
Gatila

  • ط·آ§ط¸â€‍ط¸â€¦ط·آ´ط·آ§ط·آ±ط¸ئ’ط·آ§ط·ع¾: 25481
    ط¸â€ ط¸â€ڑط·آ§ط·آ· ط·آ§ط¸â€‍ط·ع¾ط¸â€¦ط¸ظ¹ط·آ²: 8111
كاتب قصصي في منتدى القصص القصيرة
Gatila

كاتب قصصي في منتدى القصص القصيرة
ط·آ§ط¸â€‍ط¸â€¦ط·آ´ط·آ§ط·آ±ط¸ئ’ط·آ§ط·ع¾: 25481
ط¸â€ ط¸â€ڑط·آ§ط·آ· ط·آ§ط¸â€‍ط·ع¾ط¸â€¦ط¸ظ¹ط·آ²: 8111
ط¸â€¦ط·آ¹ط·آ¯ط¸â€‍ ط·آ§ط¸â€‍ط¸â€¦ط·آ´ط·آ§ط·آ±ط¸ئ’ط·آ§ط·ع¾ ط¸ظ¹ط¸ث†ط¸â€¦ط¸ظ¹ط·آ§: 3.9
ط·آ§ط¸â€‍ط·آ£ط¸ظ¹ط·آ§ط¸â€¦ ط¸â€¦ط¸â€ ط·آ° ط·آ§ط¸â€‍ط·آ¥ط¸â€ ط·آ¶ط¸â€¦ط·آ§ط¸â€¦: 6599
  • 19:59 - 2011/01/08

 ( و هِي الحَياة ) 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

في إحدى قرى سَهل الشاوية، ولد الصغير ضياء في كنف أسرة ريفية متوسِّطة الحال، فقد كَان أبوه فلاحاً بسيطاً ومع ذلك كان شديد التعلق بحصَانه العربي الأصيل، فلقد توارث عن أسلافه عادة الفُروسية أو ما يعرف محلياً بالتبوريدة أباً عن جد، فما إن يُنهي عمله في الحقل حتى يهرول إلى الإسطبل للقاء حصانه العزيز عَنقاء، بحيث كَان يقضي الساعات الطويلة في الإعتناء به و الحرص على نظافته، ليمتطي بعد ذلك صهوته و يفوم بجولة صحبته في السهول و المروج الفسيحة، و بين أشجار غابات الصفصاف و الأرز الخضراء، ليَعرج به بعد ذلك إلى الوادي حيث يقضيان الساعات معاً على ضفته في تأمل منظر غروب الشمس المبهر بين جبال الأطلس الشامخة.
و كانت أم ضياء الطيبة لا تختلف عن باقي نساء القرية، فقد كانت تستيقظ مع صياح الديك في الصباح الباكر، للقيام بأعباء البيت بما فيها إحتطاب الحطب و سقاية المياه، إلا أنها مع ذلك كَانت تختلف عنهم في مدى الحب الكبير الذي كانت تكنه لإبنها الصغير الذي رزقت به حديثاً.


حبَا الصغير في هذا الجو المفعم بالحنان على يديه و ركبتيه، و طيلة هذا الوقت كان هو الشغل الشاغل لوالديه و محط أنظارهم و إهتمامهم، حتى أن الأب غير من تقاليده اليومية و ما عاد يمر على الإسطبل إلا لضرورة تنظيفه أو لتوفير الكلأ و الماء لحصانه، إلى أن تمكن الصغير من الوقوف على قدميه، حينها إستطاع الأب التوفيق بين حبه الجارف لإبنه و تعلقه بحصانه، فكان يأخذه معه كما كان يفعل وحيداً في جولاته السابقة على متن صهوة حصانه و هو يسابق النسيم العليل، في أثناء ذلك كانت الفرحة العامرة تغمر الصَّغير ضياء، فعيناه البريئتان بالكاد كانتا تستطيعان إستيعاب الكم الهائل من الصور المارقة من أمامها، و التي يتمازج فيها الزهر بالبشر بالطير و الحجر و النور.


مرت الأيام و زاد تعلق الوالدين بصَغيرهما الذي أضفا لمسةً من البهجة و السرور على حياتهما، و يوماً عن يوم كان يزيد تعلق الصغير بالحصان، فمنذ بلوغه سن الثامني سنوات و هو لا يبارح الإسطبل، فقد أصبح لا يطيق صبراً على قدوم والده و على مصاحبته له في جولتهما المعتادة على متن صهوة الجواد، و في إنتظار ذلك كان يقضي الوقت في العبث بخصلات شعر حصانه المحبوب عنقاء، و حين كان يتسرب إليه الملل كان يحدثه عن أي شيء يخطر بباله.


و في إحدى الليالي العاصفة، أصيب الصغير بنوبة برد شديدة واكبها إرتفاع مهول في درجة الحرارة، ترك الأب القلق إبنه الصغير بين أحضان والدته التي تندب حظها و تذرف عليه سيلاً من دموع الأسى مخافة أن تفقده، ثم خرج مسرعاً إلى من المنزل دون أن يهتم لوابل الأمطار المتساقطة من السَّماء عليه، و لا لوعيد الرياح التي تدفع بجسَده بقوة إلى الخلف، فتح باب الإسطبل على مصراعيه، ثم وضع السرج على صهوة الحصان، إمتطاه ثم إنطلق مسرعاً إلى القرية الجبلية المجاورة حيث يوجد أقرب مركز صحي و كل تفكيره منصب على صغيره، بعد مدة نصف ساعة تقريباً وصل وجهته ثم نزل من على صهوة عنقاء الذي أنهكته الطريق الشاقة، طرق بشدة على باب المركز إلى أن فتحه المسؤول عنه، و بعد أن شرح له و بالتفصيل حالة صغيره، أحضر له مسكناً و دواءً مضاداً لإرتفاع الحمى و ناوله له، أخذ الأب الدواء بسرعة ثم إمتطى صهوة حصانه و إنطلق عائداً من حيث أتى، و على مشارف منزله و بينما الحصان يعدو بكل ما أوتي من قوة، زَلت ساقه فوقعا على الأرض و تلطخا بالطين، قام الأب بصعوبة على قدميه و كله كدمات و رضوض ممسكاً بجنبه الأيسر بعد أن أصيب بكسر في أضلعه، و يده اليمنى لاتزال ممسكة بالكيس الذي يحتوي الدواء، في حين كان الحصان لايزال يحاول عبثاً الوقوف على أطرافه، تقدم إليه الأب بإجهادٍ كبير، و عندما حاول مساعدته على النهوض، لاحظ بأن ساقه الأمامية اليسرى قد أصيبت بكسر خطير، صعق الأب لحظتها و لم يتمالك نفسه فسَقطت من عينه قطرة دمع حارة رغماً عنه، سرعان ما غسلتها مياه المطر الباردة، خفض رأسه ثم تقدم بتثاقل نحو المنزل، و عندما إستدار للخلف رأى حصانه يعرج بألم شديد نحو الإسطبل بعد أن وقف على سيقانه الثلاثة، لم يستطع رؤية المزيد و أكمل طريقه، و في هذه الأثناء فتحت الأم التي كانت تترقب عودته من على النافذة الباب، ساعدته على الدخول و هي تربت على كتفه كمواساة منها، ثم أعانته على الإسترخاء فوق الأريكة، جلست بعد ذلك بجنبه و ناولت الدواء لصَغيرها الذي يئنُّ بين أحضانها، ثم سهرت الليل كله و هي تراقب درجة حرارته، إلى أن إنخفضت مع آذان الفجر، فَرَقَّ جفنها للنوم بعد صلاتها من كثرة الإعياء و السهر، في حين كان زوجها لايزال مستغرقاً في نومه بجنبها.


في الصباح الباكر إستيقظ ضياء من نومه، فرأى أمه نائمة بجنبه، إبتسَم ثم طبع قبلة على جبينها و خرج مسرعاً للإسطبل كأن شيئاً لم يكن، و ما إن دخله حتى رأى والده مغمضاً عينيه بحرارة، و في نفس الوقت كَان يمسك بالبندقية بين يديه و يوجهها صوب رأس الحصان مباشرة، صعق الصغير لهول ما رأى و خصوصاً عندما نظر الحصان صوبه بعينين تتلألأن ببريق من الأحاسيس الجياشة في ظلام الإسطبل، و في اللحظة التي صرخ فيها منادياً أباه، كان هذا الأخير قد ضغط على الزناد، فأَرْدَت الرَّصاصة الحصان قتيلاً، و ما إن سمع الأب صوت إبنه حتى رمى البندقية من يديه كأنه يحاول التبري منها، ثم إتجه صوبه و أخذه بشدة في حضنه و يده المرتعدة فوق أعين صغيره، و في حين كَان الحصان لازال يصارع الموت و هو يتخضب في دمائه الجارفة، كان ضياء لا يتوقف عن البكاء و صراخه يملأ المكان.


بعد هاته الحادثة ألمَّ بالأب المرض فساءت حالته الصحية و النفسِية كثيراً، كما تغيرت علاقة ضياء به و أصبح يميل كثيراً إلى العزلة و الإختلاء بنفسه في الإسطبل، و ما هي إلا أيام حتى لفظ الأب أنفاسه من شدة الألم الذي كان ينخر ذاته و روحه على حد سواء..
بعد وفاة الأب و إنتهاء مراسِيم العزاء، تكفل بالصغير و أمه عمه الميسور الحال الذي يستقر بالمدينة، أحضرهم معه و أسكنهم في الشقة السفلية من العمارة التي يملكها، مرت الأيام و كَان عم الصغير لا يبخل عليهم بكل متطلبات العيش الكريم، حتى شب الصغير و إلتحق بكلية الطب البيطري كما كَان يتمنى منذ صغره، و في أول يوم دراسِي و عند دخوله لباب الفصل إلتقى بصديقه الحمِيم نورس و الذي رافقه طيلة سنوات الدارسة الثانوية، تجاذبا أطراف الحديث معاً و الذي دار حول الذكريات السالفة و الأيام الخوالي، ثم دخل الأستاذ الجامعي فجلس ضياء على إحدى المقاعد و جلس نورس بجانبه، شرع الأستاذ في إلقاء محاضرته عن تاريخ الطب البيطري، و حين إنتهى من تقديم مدخله قال :
اليوم سَيكون أول ما سنتعرض له بالدارسة هو الحصان لما لهذا الحيوان من مكَانة خاصة عند العرب و المسلمين..


و ما إن وقعت كَلمة حصان على مسمع أذن ضِياء حتى نبس بالآه بدون أن يشعر ثم قال :
أهي مجرد الصدفة أم أن للمَاضي وجهة نظر أخرى ؟!


إستغرب نورس منه تمتمته و كَلامه ثم قال :
عفواً ! هل قلت شيئاً ؟!


فقال ضياء مبتسماً :
لا يا أخي، هي فقط فكْرة شردت من ذهني فإلتقطتها بلسَاني.


إبتسم نورس، ثم إلتفت ليصغي للأستاذ الذي كان يرمقهما في معرض محاضرته بنظراتٍ من الإمتعاض لعدم إصغائهما له، و في غمرة حديث هذا الأخير عن فيزيولوجية الحصان، كانت مقاطع من طفولة ضياء تتقافز إلى ذهنه، فأحياناً كان يتذكر جلوسه على صهوة الحصان بين أحضان والده في جولتهما المعتادة، و أحياناً أخرى كانت تظهر له عيون الحصان المحدقة به و البندقية مصوبة نحوها، و بين هذا و ذاك صور مريعة لسَيل الدماء الغزيرة، و أخرى لطلع الزهر المتطاير الذي كَانت تثيره سنابك الحصان خلفها.


إلى أن سمع الأستاذ يتحدث عن الكُسور التي تصيب الخيول، هنا أحس بغصة في حلقه و بالألم يعتصر قلبَه، و مع ذلك حاول نفض هواجسه عنه و الإستماع لما يقول الأستاذ بهذا الشأن :
و من المتعارف عليه و الشائع عند القائل العربية في الماضي، أنه إذا أصِيب الحصان بكسر في ساقه فهو ينفق بعدها من شدة جوعه و عطشه بسبب صومه عن الماء و الطعام، لذا فإن البعض منهم كَان يلجأ مضطراً لذبحه أو لقتله رحمة و رأفة به..


و بدون أن يشعر ضِياء وقف على قدميه، و قال بصوت مرتفع و عيناه تتلألآن بالدُّموع الني لم تجاوز حد الجفون و تحجرت :
كَيف ؟!!!


إلتفت الجَميع صوبه، في حين كَان نورس يجذبه من ثيابه ليجلسَه على المقعد بعد أن إستغرب منه هو الآخر تصرفه بهاته الطريقة.


فصرخ الأستاذ غاضباً بأعلى صوته :
أنتما الإثنان إلى الخارج، و لا تفكِّرا بالعودة مستقبلاً إلى هنا إلا بعد أن تدركا مدى حرمة هذا الحرَم الجامعي.


وقف نورس، ثم سَحب ضياء من يده و قال له متذمراً :
هي بداية محفزة لا تبشر بالخير، و لكن لا مانع عندي من إحتساء فِنجان من القهوة في مطعم الجامعة على شرفك و حسَابك.


و عندما وصلا للمطعم جلسَا على مقاعد إحدى الطاولات ثم قال نورس لضياء مبتسماً بعد أن خفت حدة وجوم هذا الأخير و توتره :
قل لي ما الذي دهاك يا أخي ؟! هل لك أن تفسِّر لي ذلك ؟!
و أردف ممازحاً :
فعلى الأقل أريد فهم سبباً مقنعاً لطردي من الفصل حتى أريح فضول ضَميري الكسول الذي إجتهد الآن.


إبتسم ضياء، ثم قص على صديقه حادثة مرضه التي قلبت حياته رأساً على عقب، و كانت سبباً في وفاة والده و قتله لحصانه الذي كان شديد التعلق به، و كيف منعته أنانيته لحظتها من أن يدرك مدى الحب الذي كان يكنه والده له، و الذي إسترخص من أجله حصانه العزيز، و حتى عدم فهمه لمدى نبل روحه الطيبة التي شاطرت الحصان في معاناته، و التي وجدت نفسها بين خياران أحلاهما مر، إما تركه يتعذب إلى أن يلفظ أنفاسه بمَرارة، أو التعجيل بقتله برصاصة الرحمة له.


بعد أن أتم ضياء كَلامه ختمه بالآه و تقاسيم الندم بادية بجلاء على محياه الحزين، سكَت نورس لعدة دقائق ثم قال :
كِلاكما يا أخي قد أحب الحصان و كلاكما تعلق قلبه به و بالآخر، إلا أن حب والدك لك كَان أعظم و أكبر من حبه لحصانه، كما أن حبه لحصانه كان دافعاً قويا له على الإجهاز عليه بعد أن أحس بالألم الرهيب الذي كان يعانيه، و لعلمه اليقين عبر التجربة و الخبرة أن حصانه سَيزهد عن طيب خاطر في الماء و الكلأ إلى أن ينفق من شدة الجوع و العطش، فضلاً عن الألم الرهيب الذي سيكابده في أيامه الأخيرة.
ماذا عسَاي أن أقول لك يا أخي.. فكلاكما قد شهد الحقيقة، و لكن إختلفت زاوية نظَركما لها.
ثم إبتسَم و أردف قائلاً :
و هِي الأيام وحدها الكَفيلة بحل كل الأحجيات.


نظر ضياء إلى صديقه نورس ثم إبتسم و هو يحاول نفض الحزن عن وجهه، و قال :
نعم، و هي الحَياة...

 

 

 

 

 

 بقلمِي...

 ( و هِي الحَياة ) بقلمِي...
ط·آ¨ط·آ¯ط·آ§ط¸ظ¹ط·آ©
ط·آ§ط¸â€‍ط·آµط¸ظ¾ط·آ­ط·آ©