إنها هي ! زميلة الدراسة الابتدائية , لم يتغير فيها شيء! أدركت هذا من اللمحة الأولى ومن بعيد , رأيته واضحا في وجهها البائس وتعابيره..! لم أراها منذ ذلك الزمن , فغريبة هذه الأقدار التي جعلتني أراها اليوم بمحض الصدفة !!
كانت تسير برفقتهن , غير أنها منعزلة تماما عن خطاهم , همساتهم , ابتساماتهم ونظرات عيونهم الشقية..! كانت تتبعهم وكأنهم يسحبونها معهم إلى عالم مجهول عنها, ترمي بخطواتها الشاردة كطائر ظل طريق السرب..!!
رأيت خوفا, قلقا, دموعا لم تسل ولم يراها غيري وسمعت صراخ صمتها وانين قلبها الصغير!! تلك اللحظة الخاطفة مزقتني من الأعماق فتسمرت في مكاني أراقبهم وهن يقطعن الطريق من بعيد إلى أن اختفوا وتركوني وما أكابده !! فعرفت قصتها , آلامها وأحلامها التي لن تتحقق وفهمت معاني نظراتها لنفسها ولمن هم حولها فبكيت , بكيت أنا مكانها !
عدت إلى صف الابتدائية, رجعت بكل الصور والذكريات , فوجدتها على مقعدها وحيدة تائهة في خيالاتها , تسمع لوسوسة عقلها وبيدها القلم ترسم به أشكالا وخطوط متداخلة لا معنى لها ! عرفت الآن أنها كانت ترسم نفسها من أعماقها !!
وردة, هذا هو اسمها الذي كنت اشعر انه يحرجها أكثر عندما يناديها احدهم, فكانت ترى في نظراتهم تلك السخرية البليدة! وردة بلا لون ولا رائحة ! هل هذه الكتلة من اللحم , هذا الجسم الذي بلا معالم وردة!!؟ هذا ما كانت تقوله همساتهم المقرفة..
ولكن ما ذنبها ؟ وليس لها يد في شيء , إنما يد الخالق من صورتها وقدرت لها... فهل من خلقه يسخرون !!؟ يتلامزون ويضحكون !! واه على نفوس تتلذذ القتل والتعذيب, وبلا رحمة وأدوا أحلامها البسيطة, تلك التي كنت أراها في بريق مقلتيها وهي تراق قريناتها يعشن الحب والمرهقة.. فكان قلبها يصرخ! وأنا أين ذهب فارس أحلامي وتنكر لي؟ هل سأكون وحيدة بلا أي أمل..؟
تعلمت نفسها الطواف في سماء غير سماءها, فكانت تسرق من واقع غيرها أحلاما تنسجه وتكون بطلته..ثم تطلق تلك الابتسامة الفارة من ثغرها وتعود تكتمها وتمحو أثرها قبل أن يلمحها احد..! وتجذب ستار الصمت بتنهيدة صغيرة , لما يا ربي خلقتني هكذا !!
: ما ليس على الهامش
ان كل العيون اصابها العماء الا عين تعود ان ترى الجمال في كل الاشياء
|