السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته

                                               ذِكْرَيــَاتُ بَحَــارٍ

أسير بجوار البحر الهادئ، أتشبع بشخيره الغاضب أحيانا و الممتع أحيانا أخرى.

أسير و أنا أرفع السلام لهذا اليم الساحر. عشت لحظات في كنفه و أنا بحار عَـلَـمُهُ الشجاعة و العنفوان.

اااه على مغامرات عشتها و أنا سيد الدفة و ملك الشراع. أمتطي الموج و معرفة المجهول من أولوياتي و أهدافي.

نعم أحترمه لأنه كاد في لحظات أن يجعلني شهيدا وصل القاع، أو بالأحرى مجاهدا رفع الأبيض و اخترقت روحه الموج إلى خالقها.


يوم ليس ككل الأيام، أطلق صفارة الإنطلاق إلى رحلة اخرى نحو المجهول، أشواق أتركها عند مسقط رأسي و حنين أخلفه مع كل ابتعاد عن مرفأ الذكريات.

أيام و أنا أقود الدفة، بل و أسابيع و أنا أمتطي صهوة حصان الأمل، ذاك الأمل في لقاء البر بعد طول انتظار.


في لحظة اختارها القدر،

ريح عاتية تجر المركب إلى منعطف الهاوية، تجر الحنين إلى زاوية الإنكسار و تجعل المرفـأ سرابا لا يمكن الوصول إليه، إلا عند تحقيق الإنتصار في معركة دامية مع البحر.

من وضعية ملك إلى عـبد، أتحول إلى متوسل لعظمة الموج.

+ اه من جبروتك أيها اليم.
+ نعم أيها البحار، أنا ديكتاتوري اختارك لتبارزه في صراع المعركة الأخيرة لك.

ماذا يقصد بالمعركة الأخيرة ؟

إنها صراع المقاومة أو القاع، تخبط في الأمواج بهدف إثبات الذات و إكمال مسيرة الحياة.

لا دماء فيها و لا رماح ترتمي، بل مجرد ترنح إلى الأسفل في حال فقدت السيطرة على جيشك هناك، و على حواسك و صبرك هنا.

تستمر المعركة ساعات و القدر لازال يسجل اسمي كبحار شجاع ومغوار.

أتخيل نفسي و أنا سيد الدفة أديرها كيفما أردت، أعطي أوامري للبحارة و أتحكم في الشراع و أنا قبطان شرس. فأرى كيف أن اللحظات تخون أصحابها فيتحول السيد إلى منتظر

لقطعة خشب صغيرة قد تجعله متمسكا لدقائق بأمل الحياة.

أرى شبح مركب يتمايل بعيدا في الأفق، قد يبتسم الحظ لي فيجعلني فائزا في صراع عنيف مع غدر المد و الجزر.

يقترب الشبح شيئا فشيئا فتلمح عيني مملكة أخرى كتلك التي كنت سيدها، مع اختلاف الموطن و الحاشية.

+ أنـا هنا ،، أنقذوني !!!

أعيد العبارة ثلاثا فأرى مركبا صغيرا ينزل لينبت أوراقا جديدة في شجرة حياتي، ليسكب عليها ماءاً يزيد من احضرارها و قوة أغصانها.

ساعات بعد وجدت نفسي على نفس مرفـأ الذكريات، و انا قبطان، عفوا بحار بسيط تشبع ببعض التجارب المثيرة.

عودة من ذاك العالم تزيدني احتراما لليم.

+ اه منك أيها البحر كيف جعلتني عبدا لموجك في لحظات.

+ أخبر البحارة أنه لا مكان للرحمة في قلبي، و أخبرهم كذلك أنني لست صديقا إلا لمن وقف احتراما لعظمتي من مكانك هذا، من ساحلي دون أعماقي.

+ أخبرهم أنت بذلك عند الضرورة.


عـــودة من عالم الذكريات.

رأيت نفسي جالسا على ضفافه كالطفل الخائف، حذرا من أي لطمة غدر كتلك التي عشتها.

بسرعة أنتفض واقفا.

أجمع ما تبقى من ذكرياتي .... من أوراقي و رؤوس أقلامي


بقلمي ،، محمد الشرقاوي

بتــاريخ : 13 نونبر 2010