جلست قبالته ، وجها لوجه . ما يفصل بينهما غير منضدة ملتمخة حواشيها
المزخرفة ..
كان كهلا صقيل المحيا . في عينيه المثقلتين حول لذيذ المشاهدة . وعلى شفتيه
الدسمتين غفت علامة استفهام كبير ، فتبدوان مستفزتين مقرفتين وقد استشاطتا وامتلأتا
غضبا مفتعلا زاده غموضا وقسوة ..
قبالته ، وجها لوجه ، جلست ترقبه متحفزة .. تختلس النظر إليه حينا بعد حين
علها تحدس كائها المتمرس ما يمور في سرائره من خفايا ودسائس ..
كانت تتوجس شرا من ردود فعل فورانه العصبي ، كا يتبدى وتستكشف على أسارير
وجهه بذقنه الملتحي ، وفي حركات يديه بأصابعهما المرتعشة كلما حركهما في تلويـــــــح
أو تهديد ..
وكانت تتوجس غدرا في بريق عينيه المتسعتين حولا وخسة ، وغلظة في انتفاضة
شدقيه الهرمتين ..
شيئ ما يعتمل في اتفعال همجي مخيف ، يدور بخلده ، تحدث نفسها بقلق عميق ..
وحها لوجه ، وما بينهما سوى المنضدة المزخرفة الحواشي ، يسألها بحدة مبحوحة
متهالكة بعتو واستهجان :
- ما اسمك أيتها الجميلة ؟؟
ارتعبت وتململت في جلستها ، ولم تجب أو هي تلكأت فأسرع معيدا السؤال بحدة أمضى
صخبا وأشد وقعا :
- أما تسمعين ؟ ما اسمك أيتها الوقحة ..؟
تهيبت .. وهو يبدو أكثر انفعالا و أشد استعدادا :
- صفاء البشيري ..
هكذا بجفاء مستثير أجابت .
غير أنه عالجها بقهقهة واستهتار عنيد :
- ومن أين أتاك الصفاء والبشر ياقذرة .. فما أنت إلا اللؤم والكدر أيتها ... اللعينة .
ما عادت تحتمل أوتتحمل . اعتزمت وبيتت التحدي والتصدي في سريرة نفسها ،
وبقدرة الأنثى الواثقة من تصرفها ، قالت :
- لا ، أبدا .. لتبق على مروؤة أرجوك ، و في حدود واجبك . إنه استنطاق لا أقل
ولا أكثر ..
- بارعة وجريئة ، ليكن . . ما دمت طالبة نشيطة ومتميزة . عضوية إيجابية في أكبر
حزب يساري محظور . ونقابية يعتد بها ، في إحدى المركزيات الأساسية وبجرأة خطابية
مؤثرة لا تجارى ..
توقف وهو يبتلع دخان غليونه بطريقة مكشوفة دلت على سخافة الرجل وهو يستطرد :
- إنما ، أقول إنما دعيني فأنا لا أخقيك إعجابي الجميل برعونتك الوثابة ، وبفوران
أنوثتك اللذيذ .. أتسمعين أيتها النحلة البرية اللاسعة ؟؟
وقطبت باستغراب عريض وهي تتلقط مدائحه الخشنة ، وخمنت بحدسها الوثاب ، على
أن الأمر سر من أسرار القنص الاحترافي في عهدة عميد بوليس مختص في نصب شراك
الاتهامات الملفقة بحنكة وتدبير ...
أمسك يترقب بالتذاذ ، قبل أن يبادرها بتهكم صارخ :
- أراك تتمسكين ببلادة ، وتضعين كل قدراتك الألمعية في كف عفريت ، بل في عين
حمئة قد تحترقين في حمأة أتونها عزيزتي صفاء ..
التمعت عيناها واحمرت وجنتاها ، وبدا لها أن انهزاما ضاريا لها وشيك الوقوع لولا
تداركها رنين الهاتف أمامه على يمينه .
التقط السماعة بحركة بهلوانية رادا :
- آلـو ؟؟ ثم ، وبعد لحظات ، تبسم مكرها ومستطردا :
- نعم . كما تريد ..
وضع السماعة في مكانها جانبا ، ثم التفت إليها مستجمعا للنهوض وهو يتشدق في
مرح كاذب :
- انتهت جلسة الاستنطاق ، وتبيتين الليلة سجينة احتياط حتى استكماله صبيحة الغد
أيتها الوغدة النبيلة ..
تأففت بغيظ ، وثقة كبيرة وعنفوان ، وهي تتمتم مع نفسها :
ولن أستسلم مهما يكن الحال .. وكيفما كان الأمر .
ن . الحوتي