( فَلتحيى الذِّكرى ) بقلمِي...
ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ¢ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ®ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ±
ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ§ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬أ¢â‚¬ع†ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آµط·آ·ط¢آ¸ط·آ¸ط¢آ¾ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ­ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ©
Gatila

  • ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ§ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬أ¢â‚¬ع†ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬ط¢آ¦ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ´ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ§ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ±ط·آ·ط¢آ¸ط·آ¦أ¢â‚¬â„¢ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ§ط·آ·ط¢آ·ط·آ¹ط¢آ¾: 25481
    ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬ط¢آ ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬ط¹â€کط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ§ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ· ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ§ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬أ¢â‚¬ع†ط·آ·ط¢آ·ط·آ¹ط¢آ¾ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬ط¢آ¦ط·آ·ط¢آ¸ط·آ¸ط¢آ¹ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ²: 8111
كاتب قصصي في منتدى القصص القصيرة
Gatila

كاتب قصصي في منتدى القصص القصيرة
ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ§ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬أ¢â‚¬ع†ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬ط¢آ¦ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ´ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ§ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ±ط·آ·ط¢آ¸ط·آ¦أ¢â‚¬â„¢ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ§ط·آ·ط¢آ·ط·آ¹ط¢آ¾: 25481
ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬ط¢آ ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬ط¹â€کط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ§ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ· ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ§ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬أ¢â‚¬ع†ط·آ·ط¢آ·ط·آ¹ط¢آ¾ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬ط¢آ¦ط·آ·ط¢آ¸ط·آ¸ط¢آ¹ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ²: 8111
ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬ط¢آ¦ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ¹ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ¯ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬أ¢â‚¬ع† ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ§ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬أ¢â‚¬ع†ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬ط¢آ¦ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ´ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ§ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ±ط·آ·ط¢آ¸ط·آ¦أ¢â‚¬â„¢ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ§ط·آ·ط¢آ·ط·آ¹ط¢آ¾ ط·آ·ط¢آ¸ط·آ¸ط¢آ¹ط·آ·ط¢آ¸ط·آ«أ¢â‚¬آ ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬ط¢آ¦ط·آ·ط¢آ¸ط·آ¸ط¢آ¹ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ§: 3.9
ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ§ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬أ¢â‚¬ع†ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ£ط·آ·ط¢آ¸ط·آ¸ط¢آ¹ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ§ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬ط¢آ¦ ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬ط¢آ¦ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬ط¢آ ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ° ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ§ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬أ¢â‚¬ع†ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ¥ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬ط¢آ ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ¶ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬ط¢آ¦ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ§ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬ط¢آ¦: 6594
  • 17:28 - 2010/10/27

  فَلتحيى الذِّكرى 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

على حافة الجُرف الصخري العالي المشرف على المحيط الكبير، جلس الشاب يحيى وحيداً بين الصخور يتأمل في الفضاء الواسع و يده على خده، كأنه يحاول أن يسند عبثاً رأسه الصغيرة التي تتضارب في داخلها بنات أفكاره مع الإحتمالات العديدة، و هو يفكر ملياً فيما سيقدم عليه مستقبلاً من خطوات محسوبة، بعد أن ضاقت عليه سبل الحياة، و أوصدت هاته الدنيا في وجهه كل الأبواب المفتوحة، حتى أنه و لوهلة خطر بباله الإنتحار، بإلقاء نفسه من أعلى الجرف إلى أسفله، حيث الصخور الصلبة المسننة التي نحتتها الأمواج العاتية، في محاولة بائسة للهروب من واقعه المرير و وضع نهاية لمسيرة حياته القصيرة، و لكنه عاد بسرعة و إستعاذ بالله من شر الوسواس الخناس، و نفض من ذهنه هاته الفكرة العقيمة، فلم يعد يقوى بعد اليوم على إحتمال الألم الذي ينخر كيانه من الداخل، بعد أن رأى كل مخططاته المستقبيلية تتهاوى أمام أنظاره، و هي لا تزال مجرد مضغة أحلام بريئة نمت في ذهنة و ترعرعت في قلبه، بسبب قلة حيلته و الضغوطات المادية التي بدأت تفرض نفسها، إضافة إلى المعاناة النفسية الرهيبة التي تزلزل كَيانه الهش، حتى أجهد تلافيف عقله و نبضات قلبه من دون أن يخرج بنتيجة واضحة المعالم، فلم يتبقى له على اليوم الذي أمهله إياه أبو ذكرى لإفسَاخ خطوبته بها سوى ثلاثة أيام.


في غمرة هذا كله، كَان يعود به شريط الذكريات الطويل إلى تواريخ الأيام الماضية، حين كانت تترصد عيونه العسَلية ذكرى و هي آتية كعادتها بطعام الغذاء لأبيها بين قوارب الصيادين في الميناء التقليدي، أو حين كانت تغض عيونها الحوراء البصر عن إستحياء عندما كانت تلتقي نظراته بنظارتها في الطريق العام صدفة أو عن عمد، و أحياناً أخرى كان يقتفي أثرها من بعيد و هي ذاهبة إلى السوق، ظناً منه بأنها لا تشعر بوجوده، أو بالأحرى هذا ما كانت تتظاهر به، حتى حفظ كل مواعيد خروجها من البيت و تحركاتها و تفاصيل حياتها، و كذلك رائحة عطرها الزكي، فقد كان كحارسها الشخصي، و ظلها الوفي الذي يلازمها أينما رحلت و إرتحلت، حتى إطمئنت كل خفقات قلبه لها و آنست روحه منها السكينة، بعد أن خبر جيداً حسن خلقها و سيرتها الطيبة، و مع هذا كله لم يجرؤ في يوم بأن يلقي عليها حتى السلام، فقد كان يرى فيها ملاكه الذي يمشي على الأرض، و الذي يسمو على مستوى كلام البشر و لغتهم، ثم عقد العزم على مصارحة أهله بيته بنيته في خطبتها و الزواج بها، فإستقبل أبوه طريح الفراش، الريس لقمان البالغ من العمر خمسة و سبعين سنة الخبر بفرحة عارمة، و أخذ إبنه البكر بين أحضانه و هو يهنأه على قراره الذي لطالما إنتظراه هو و أمه أم البنين التي لم تتمالك نفسها، فأطلقت العنان للزغاريد المدوية لتكسر سكون البيت البسيط، و على إثر ذلك خرج أخوه الأصغر منذر من إحدى الغرف، ثم تبعته أختهما الصغيرة سلوى، و على وجهيهما علامات الذهول و الفرحة. توقفت به ذاكرته كثيراً عند تفاصيل ذاك اليوم التاريخي من حياته، ثم نبس بالآه و هو يتذكر الساعة التي صحب فيها أبواه ليخطباها له من أبيها نمرود، و كيف إستقبلهما هذا الأخير بحفاوة عندما رآهم محملين بالهدايا و صنوف الحلوى برغم علمه بضيق حالهم، حتى أنه وافق على الخِطبة من دون أن يبدي أدنى تردد أو حتى يستشير إبنته، و إتفق معه يحيى على تأجيل الزواج لمدة سنة، حتى يتمكن من تكوين نفسه، و شراء المواد اللازمة من إسمنت و طوب و حديد لبناء عش الزوجية على البقعة الأرضية القريبة من منزل والديه.


فجأة شعر يحيى بالضيق و الغثيان، و بصداع شديد في الأعماق المجهولة من رأسه، ففتح أزرار قميصه ليلتقط أنفاسه، و عندما أحس ببعض الراحة قام على قدميه، و نزل من أعلى الجرف ليقصد مقهى الصيادين التي تتوسط القرية الفقيرة، فقد كان من عادته في كل ليلة السمر إلى حدود منتصف الليل، مع صديقيه عمرو و رضا كلما شارفت الشمس على المغيب، ليتجاذبا أطراف الحديث حول يوميات البحر و قصصه الغريبة، إلى أن جرهم الكَلام في تلك الليلة إلى الحديث عن بحر متاهة القرش، و هو إسم أطلقه بحارة القرية على أخطر منطقة من البحر الممتد على ساحلهم، و هي عبارة عن مجموعة من الصخور الكبيرة التي تفصل بينها أمواج البحر المتلاطمة، و تعلو سطحه كجزر صغيرة قبالة أقصى الساحل الشمالي من القرية، و بينها تعيش أخطر الكائنات البحرية و من ضمنها أسماك القرش، إلا أن قعرها غني بمخلوقات المحار التي تتكَتم على سر أكبر اللؤلؤات التي يمكن لعين بشرية أن تراها، فهكذا جائت رواية الناجي الوحيد الذي إستطاع الغوص و الرجوع بمحارة كبيرة من هاته المنطقة المحَرمة حسب الأساطير الشعبية، و قد حاول من قبل مجموعة من الصيادين الذين إستهوتهم الحكاية، المغامرة و الغوص في هذه المنطقة، إلا أن أحداً منهم لم يعد لحد الساعة ليؤكد حقيقة هذا اللؤلؤ من عدمه، حتى نسي أهل القرية أمر هاته القصة مع مرور الوقت. في تلك اللحظة بدأت فكرة الغوص في بحر متاهة القرش تكبر في ذهن يحيى، فلؤلؤة كبيرة واحدة كفيلة بتحقيق أمنيته في هذه الدنيا بالزواج من خطيبته، بعد أن ضاق ذرعاً في الأيام الأخيرة من إبتزاز أبوها الجشع، و الذي تراجع بشكل مفاجئ عن وعده الذي قطعه له، و الفاتحة التي قرأها معه في بيته بدون أسباب وجيهة، وأمهله مدة أربعة أيام حتى يتمكن فيها من شراء بيت جاهز لإقامة حفل الزفاف و توفير التكاليف، فقد بدأ يبحث عن أي سبب ليفسخ خطبة يحيى بإبنته ذكرى، بعد أن تقدم تاجر ميسُور طاعن في السن من أعيان القرية لخطبة إبنته و الزواج بها دفعة واحدة، و بالرغم قراءة نمرود للفاتحة مع يحيى و أبويه، إلا أنه وافق العجوز في طلبه و هو يتأمل في مدى قيمة الهدايا الثمينة التي حملها معها و وضعها على مائدة بيته، و بدون أن يكَلف نفسه عناء التفكير و حتى أن يستشير إبنته التي فقدت أمها في سن مبكرة، و إتفق معه على أن يتم العرس بعد ثلاثة أيام على شاطئ البحر ليحضره الجميع.


بعد أن إختمرت الفكرة في ذهن يحيى صارح بها صديقيه، غير أنهما لم يعيرها أدنى إهتمام و إعتبراها مجرد مزحة منه، إلى أن إرتسم الوجوم على وجوهيهما عندما لاحظا تغيراً في نبرة حديثه و أنه يتكلم بجدية، فلطلما لامسَا في صديقهما الوفي صفة القناعة و الرضا بقضاء الله و قدره، و لم يكن زخرف الدنيا في يوم ليشغل باله، كما لم يعرفا عنه إلا التأني و التروي و الحكمة و ليس التهور، فأخبرهما بجديد قصته مع ذكرى و إبتزاز أبوها النمرود و مساومته له، فتفهم كل من رضا و عمرو موقف يحيى بالنظر إلى ظروفه المعيشية، و رغبته الصادقة بالحفاظ على خطيبته التي يحبها من أن تضيع من بين يديه، و مع ذلك حاول عمرو أن ينهره و ينهيه عن ذلك، و لكن بدون جدوى، فقد أصر يحيى على موقفه و تشبت به، و أخبرهم أنه من الغد سيركب قاربه و سيتوجه إلى بحر متاهة القرش، ليغوص بحثاً عن اللؤلؤة التي ستعيد الإستقرار لحياته، في حين كان رضا يكتفي بالصمت، و لما رأيا منه مدى عناده و تعنته، إضطرا مكرهين على موافقته، ثم أصرا على مرافقته إلى أن سلَّم يحيى بذلك.


في الغد و بعد آدائهم لصلاة الفجر، ركب الأصدقاء الثلاثة القارب الصغير، و قاموا بالتجديف طويلاً إلى أن وصلوا بحر متاهة القرش، فغير يحيى ملابسه بملابس الغطس، و حين هم بالغوص ألح عليه عمرو بالنزول معه حتى وافق، و بينما هما يسبحان إلى القعر إذ بشبح لسمكة قرش كبيرة يتلاوح من بين المياه الداكنة البعيدة، فأحس كلاهما بالخوف الشديد يسري في عروقهما فتواريا خلف صخرة قريبة منهم، إلى أن رحلت سمكة القرش فأكملا غوصهما بحذر شديد، و حين وصلا إلى القعر السحيق لمح عمرو بالكاد بريقاً يتلألأ من بعيد بين الصخور، فأشار ليحيى ليرى مصدر البريق، فتقدما إليه سوية و هما يسبحان، و على بعد خمسة أمتار شاهدا محارة عملاقة مفتوحة، و بداخلها لؤلؤة كبيرة جداً شديدة الصفاء و النقاء، و ما إن تبادلا نظرات الفرح و الذهول، حتى عاد شبح سمكة القرش للظهور من بعيد، و لكن هذه المرة كان يتقدم و بإتجاههم، فأسرعا بالسباحة إلى مدخل أحد الكهوف الضيقة بين الصخور، و إحتميا به إلى أن إنصرف القرش بعيداً، و ما إن خرجا من الكهف، حتى باغتهما و عاود الظهور من جديد، فأخذا يسبحان بسرعة بجنونية و بكل حواسهما بإتجاه السطح، و عندما لحق بهما القرش، قام يحيى بمناورته و إختبأ خلف أحد صخور الناتئة فوق سطح البحر، فحاصر القرش عمرو، و ما إن فتح فكيه اللتان تبرز منهما الأنياب الحادة ليجهز عليه، حتى ظهر يحيى من خلفه و أوغر سكينه التي كان يحتفظ بها في عين القرش، مما أصابه بالإرتباك فمرت أنيابه بمحاذاة كتف عمرو و نهشتها، و ما إن إستدار و أعطاهما بظهره، حتى بلغا بجهد السطح و صعدا على متن القارب، في تلك اللحظة إمتلأ المياه بعشرات القروش الهائجة التي إجتذبتها رائحة الدم المسفوك من بعيد، كأنها أتت تطلب الأخذ بثأرها، فأخذ كل من يحيى و رضا يجدفان بعيداً عن المنطقة ليسعفا صديقهما عمرو، الذي كتب له عمر جديد بعد أن شارف على الهلاك بين أنياب القرش، و من حسن حظه أيضاً أن جرحه لم يكن غائراً.


في منزل عمرو جلس يحيى بالقرب منه، فأحس بعذاب تأنيب الضمير له، و أخذ يعاتب نفسه لأنه كان السبب في كل ما حصل، و صرح لعمرو بأنه لن يسامح نفسه على ذلك أبداً، فحمد عمرو الله كثيراً على أن كَتب له في العمر بقية، و أخذ يهون على يحيى و يخبره بأنه قضاء من الله و قدره الذي لا يجب الإعتراض عليه، و أنه لو كان هو في مكانه فسيفعل معه نفس الشيء، و بأن كل شيء على أحسن ما يرام، فلا داعي لأن يقسو على نفسه بهذا الشكل، فيكفيه ما هو فيه، و بينما هو يواسيه إبتسم في وجهه ثم سأله في إستنكار إن كان سيعاود المجازفة، فدهش عندما أخبره بأنه لم يتبقى سوى يومان على موعد فسخ الخطوبة، بمعنى أنه سيعاود الكرة لا محالة غداً، فليس هناك شيء في العالم سيمنعه من ذلك بعد أن تأكد من حقيقة اللؤلؤة و شاهدها بأم عينه، و طيلة هذا الحوار بينهما و رضا ساكت لا ينبس كعادته ببنت شفة و لا يحرك ساكناً، و عندما هم يحيى بالإنصراف طلب منه عمرو أن ينتظره غداً لأنه سيرافقه، فرفض بشكل قاطع و تعلل بدماء الجرح الذي لم يندمل بعد، و التي ستغري القروش من على مسافة عدة أميال، فأمسك به رضا مبتسما ًو هو :


أما فيما يخصني فأنا مصاب بفقر الدم و لا يمكنك منعي


لم يستطع يحيى النوم في تلك الليلة، بسببِ تفكيره المتواصل في إشراقة وجه خطيبته و في لمعان اللؤلؤة، و مع الصباح الباكر إلتقى برضا على الشاطئ في الموعد المحدد، فأبحرا بالقارب إلى أن وصلا إلى بحر متاهة القروش، فغطسا سوية إلى القعر، و لحسن حظهما فإن المياه كانت صافية جداً و خالية من أسماك القرش، و عندما وصلا إلى المكان المنشود الذي شاهد فيه يحيى اللؤلؤة الكبيرة بالأمس عندما كان برفقة عمرو، وجدا المحارة العملاقة قابعة في مَكانها و فاتحة صدفاتها و بداخها اللؤلؤة الجميلة، و ما إن إقترب منها أكثر، حتى جرفهما فجأة تيار بحري قوي بعيداً عن مكان اللؤلؤة، و بعد جهد كبير في مقومة التيار، عادا إلى موقع المحارة، لكن أسماك القرش كانت قد عاودت الظهور، حينها أشار يحيى لرضا بالصعود إلى سطح المياه، و ما إن بلغ رضا القارب حتى تخلف عنه يحيى و عاد للقعر و هو يسبح بسرعة و رشاقة، حتى بلغ اللؤلؤة من جديد، فعاد التيار البحري لمباغتته من جديد و أخذه معه بعيداً، بقي رضا ينتظره في القارب و كله توتر و قلق على صديقه الذي تأخر، فقد بدأت تشارف الشمس على المغيب و لم يظهر بعد، و أسماك القرش آخذة في التوافد و بكثرة على منطقتها المفضلة، و حين بدأت الأفكار السوداوية ترخي بظلها على رأسه، سمع صوتاً من بعيد يناديه بإسمه، فلما إلتفت، كان الذي يحيى يناديه و هو يلوح بيده من من زورق لأحد الصيادين إنتشله من المياه عندما كان ماراً بالجوار.


في المساء قصا ما جرى معهما على عمرو، الذي أبدى أسفه على خيبة أمل يحيى، و أخذ يرفع من معنويات صديقه المنكوب الذي لم يتبقى له سوى يوم واحد على فسخ خطوبته، ثم إنفض جمعهم بعد أن تواعد يحيى و رضا على اللقاء غداً في نفس التوقيت، فلما أشرقت شمس الصباح، كان يحيى يلبس ملابس الغطس و هو جالس في وسط القارب، و بقربه كان يجلس رضا بملابسه العادية بعد أن أقسم عليه بأن لا ينزل معه للمياه و بأن ينتظره على السطح، مرت الساعات و لم يتمكن يحيى من الغوص بَعد بسبب العدد الكبير من أسماك القرش التي كانت تسبح في ذاك اليوم، إلى أن شارفت الشمس على المغيب، فإختفت القروش فجأة و في دفعة واحدة، فإغتنم يحيى الفرصة و قفز بسرعة للمياه، و أخذ يسبح بإتجاه القاع حيث اللؤلؤة التي يتوقف عليها أمله، و ما إن إقترب منها و لامسها بيديه، حتى ظهر أمامه فجأة قرش صغير شارد عن سرب القروش و لا يشكل أي خطر، إلا أنه و من هول الصدمة تراجع بدون شعور للخلف فصدم رأسه بالصخور المدببة، ففقد وعيه ثم حمله التيار البحري معه.


 في السطح كان رضا يعد الدقائق و الثواني في غياب صديقه، فكانت تمر عليه الساعة و كأنها سنة من طول الإنتظار، و مع ذلك لم يستسلم لليأس بل بقي في مكانه حتى خيم الظلام و بدأت ملامح عاصفة هوجاء تتشكل في الأفق، و بعد قليل أجبرته الأمواج التي بدأت تعبث بالقارب لقلبه، و كذا الأمطار المتهاطلة و الرياح الشديدة على التجديف بإتجاه الساحل و هو يمني نفسه بأن صديقه ربما قد صادف زوارقاً ما لأحد الصيادين أو مركباً للبحارة مارة بالجوار، و عندما وصل رضا إلى الميناء، كان أول شيء يقوم به هو زيارة منزل يحي، و عندما فتحت الباب أم الخير أخبرته بأن صديقه لم يعد بعد، فأعلمها بأن لا تقلق على إبنها في حالة مبيته هاته الليلة خارج المنزل، و تعلَّل بأنه ربما سيبيت معهم في منزل عمرو الذي إشتدت عليه الحمى، تقبلت أم الخير الخبر على مضض، ظناً منها بإن هذا أفصل لإبنها حتى يستطيع الخروج من جو الحزن و الكآبة، الذي ألقى بظله على حياته في هذه الأيام الأخيرة بسبب مستجدات خطبته لذكرى، فقد رأت في هذا نوعاً من المواساة لإبنها يخفف عنه بعض الحمل، ثم توجه رضَا لمنزل عمرو و قص عليه بالتفصيل الممل كل ما جرى معه، فأخبره عمرو بما يريد سماعه من أن صديقهما بخير، و أنه سيعود في الغد كما عاد إلى القارب في حادثة الأمس، و رجح إحتمال أن إحدى مراكب الصيادين التي تقضي اليوم و اليومين في داخل البحر إنتشلته و حملته معها، و مع ذلك إتفقا على الإبحار سوية في الغد إلى بحر متاهة القروش، و المرور على كل القوارب و الزوارق في طريقهما ليطمئنا على صديقهما.


و في اليوم الموعود، ركب رضا و عمرو الأمواج للبحث عن صديقهما، في حين كان نمرود في الشاطئ يشرف على العمال و هم يحضرون لمراسيم حفل الزفاف الذي سيقام بعد الظهر، و ما إن وضعت اللمسات الأخيرة و باقات الورود على منصة العريسين، حتى قدِم المدعوون و لافتات التهاني المعلقة على نخيل جوز الهند تستقبلهم، ثم وصل العريس و بصحبته ذكرى فإرتفعت أصوات الموسيقى و بدأ الجميع في الرقص و الإحتفال، كانت كل التفاصيل تحيل على حفل زفاف تاجر ميسور الحال، فلم ينتظر أبو ذكرى رد يحيى عليه و لم يعر أي إهتمام لإتفاقهما، فقد فاتح إبنته في اليومين المنصرمين بموضوع زواجها من التاجر الهرِم صاحب الثروة و النفوذ، فثارت عليه و رفضت بشدة، و هي تذكر أباها بأنها أصلاً مخطوبة و بأن هذا لا يحق له لا شرعاً و لا قانوناً و لا حتى أخلاقياً، و بأنها لن تفسخ خطبتها بيحيى، و بأنه لا يحق له أبداً أن يكرهها على الزواج، و بأنها لا تريد أن تُوئد حية في تابوت الحياة مع ميت في عرف الحياة، فلم تكن هي بأقل تعلق من يحيى بها، الذي أسر قلبها من بعيد كما أسرت قلبه من بعيد، فإنهال الأب نمرود بالضرب المبرح على إبنته اليتيمة عفيفة النفس، حتى جف حلقها من الصياح و تحجرت في عيونها من الدموع، فسقطت مغشياً عليها بعدما فقدت قدرتها على الإحتمال و الصمود.


و عندما إمتلأ الشاطئ بحشود المدعوين، و في اللحظة التي حملت فيها يد العجوز المرتعدة الخاتم الماسي بين أصابعها المتجعدة لتركيبه في أصبع ذكرى الذابل، إذ بموجة هوجاء هادرة تخمد أصوات الموسيقى و تأتي عليها في تقدمها بإتجاه الشاطئ، و ما إن وصلت الساحل حتى ضربته بقوة فاجأت الجميع و بللتهم، ثم ظلت تزحف فوق الرمال و هي تبطش في طريقها بالكراسي و الموائد لتي كانت تعترضها، إلى أن توقفت عند حدود أقدام العروسين فوق منصة العرس، و ما إن إنجلت و ذهبت مياه الجزر بزبد البحر معها، حتى خلفت وسط الحضور جثة هامدة مقلوبة على وجهها، ما إن رأتها ذكرى حتى قامت من الكرسي الذي كانت تجلس عليه، و هي تزغرد تارة و تبكي تارة أخرى كما و لو أصابتها فجأة نوبة من الجنون، بعد أن كانت مطأطأة للرأس طيلة الحفل بجنب عريسها كأنها مفارقة للحياة، ثم بدأت تجري بسرعة و هي على زغاريدها و دموعها فوق الرمال الذهبية، من دون أن يستطيع أحد من الحضور إيقافها و هي تتعثر بفستانها الأبيض في طريقها لمياه البحر الهائج..

 


و عندما قلبوا الجثة، كانت الجثة جثة يحيى، و بيده لؤلؤة بيضاء كبيرة أخذت تتلألأ تحت أشعة الشمس.

 

 

 

 


و منذ ذلك اليوم، و ذكرى هاته الحادثة تحيى في الأسطورة التي ترويها الجدات على مسامع الأحفاد في قرية الصيادين الصغيرة

 


 

 

 

 

 

 

بقلمِي...

 ( فَلتحيى الذِّكرى ) بقلمِي...
ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ¨ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ¯ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ§ط·آ·ط¢آ¸ط·آ¸ط¢آ¹ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ©
ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ§ط·آ·ط¢آ¸ط£آ¢أ¢â€ڑآ¬أ¢â‚¬ع†ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آµط·آ·ط¢آ¸ط·آ¸ط¢آ¾ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ­ط·آ·ط¢آ·ط·آ¢ط¢آ©