دخل الشيخ أحمد ، الرجل الستينيّ ، السوق . بقميصه الأزرق الفاتح ضيّق الأكمام و بنطاله القماشيّ الأسود . و حاله الإبتهاج . و بين الحين و الآخر يلوّح بصولجانه المنقّط بالسوّاد
. كان السوق يعجّ بالمارة ، و أصحاب الحوانيت مشغولين داخلها بالمفاصلة مع الزبائن . و على مقربة منه ، تناهى إلى سمعه صوت أحدهم يسأل الآخر عن الوقت ، فعرف الشيخ أحمد أنها
الخامسة مساءً و صار عليه بذلك أن يحثّ الخطى .
الشيخ احمد يعمل كحارس ليليّ في السوق . قبل أن يغادر بيته ، يقف على الباب المطلّ على الحارة و ينادي بأعلى صوته على آخر ابنائه ، و لما يطمئن أنهم جلسوا إلى كتبهم المدرسيّة بقرب
السماور الذي يغليّ ، يخرج و هو يمنيّ نفسه بأن يعود عند الفجر و بيديّه شيئاً للأطفال .
قبل قليل نادى عليه " محمد خليل " ، و ليس من المألوف أن يستدعيّه الرجل . لولا أن وراء هذه الخطوة سبباً كان من الصعب تلافي رأي الشخص الوحيد الذي يمكن الإعتماد عليه فيه و الإفتاء
به . قدّم له محمد خليل فور وصوله تنكتين . حدس ما فيهما من النظرة الأولى . و لم يكن في الحانوت سواهما و رجل آخر غريب لم يعرفه ، كان يقتعد كرسيّاً خشبيّاً في زاوية المحل ، لكنه قدّر
بأنه تاجر جاء يعرض زيته على محمد خليل ، و الظاهر أن محاولات محمد خليل في تجنب طلب مشورة الشيخ قد باءت بالفشل فبعث في طلبه ، و ها هو الرجل الستينيّ يقف بباب المحل و يردّ
السلام ..
- أهلاً .. أهلاً بالشيخ ، بركتنا و نوّارة السوق . تعال اقعد ، لا و الله حلفتْ .. أعرفك " أبو مازن " ، تاجر مخللات و طُرشي و أحياناً مُعلبات ( صح يا أبو مازن ؟ ) ، و اليوم جاب لي تنكتين
زيت زيتون . و أنا و بصراحة غشيم في الزيت و خائف أن يكون زيت إحدى التنكتين قد فقس ..