اقفل الباب واتجه صوب غرفته متثاقلا وكأنه يحمل أثقالا يتمايل بها ليرمي بجسده أخيرا على المقعد ويطلق زفرة لا يفهم معناها ! هل هو القلق ؟ أم كانت صفارة الخلاص.......؟
- هل عدت حبيبي ؟
أتى صوت زوجته مخاطبا , فرد عليه بالتفاتة صغيرة قبل أن يتململ ليعدل من جلسته...
- لا بد انك تشعر بالتعب والإرهاق , فقد كان يوما شاقا عليك...
كل الخبث في حشو كلامها وهي تداعب كتفيه بأصابعها الناعمة لتكمل
- عادل حبيبي أنت فعلت الصواب , أبوك قد كبر ويحتاج إلى عناية خاصة...وهناك سيجد كل ما يحتاجه..هيا هيا لا تقلق ارتح قليلا ثم تعال لنذهب ونتناول العشاء خارجا.....
خرج صوته المكبوت والمرتعش ليخاطبها ببرود يخفي وراءه براكين محرقة حرص على أن لا تظهر..
- أحلام لو سمحتي لا أريد الحديث , اتركيني وحدي..
اشتمت هي رائحة الحريق قبل وقوعه وامتثلت دون أن ترد بحرف , ما كنت أريده أن يحصل قد وقع وأي شيء أخر سوف نتدبر أمره...هذا ما قالته لنفسها وهي تغلق الباب....
أما هو فلم يتحرك رغم كل الأعاصير التي تجتاح دواخله وعقله..أصوات وصور , ضحكات وشموع...إنها الذكريات التي تحولت إلى كابوس مفجع , إلى وحش كاسر , يرى صورته في كل زاوية وكل مكان....
والدي لا اعرف كيف طاب لي أن أتركك خلفي وارحل , لا اعرف كيف سولت لي نفسي أن أرميك في مأوى العجز...هذا ما أفصحت عنه بعض الدمعات الحائرة..
ليلة ظلماء مقفرة وسط أشباح الذكرى...شاهد فيها كل حياته أمام عينيه..يد أبيه وهي تسوقه بكل حان في أول يوم له في المدرسة..وها هو يلوح له من بعيد مودعا وكأنه يقول له بني لا تخف سأعود لاصطحابك بعد الدرس , أنا هنا حبيبي لا تخف..
هذه الصورة التي قابلتها صورة أبيه وهو يسلمه إلى مأوى العجز , تلك النظرة من عينيه وهو يودعه وذلك الجسد الهزيل المقعد على الكرسي المتحرك , بالكاد تحركت يده لتودع............ !!!!!!!!!!
أدرك عادل أن العذاب والويل ما ينتظره , جحيم من الألم , الندم وتعذيب الضمير .. لم يفقد والده فحسب بل خسر نفسه أيضا...
وجاء اتصال هاتفي من دار العجز ليقول أن هذا ليس بشيء
- أستاذ عادل البقاء لله , والدك قد مات.