مانولو داليدا يذهب إلى غزة . خاص بالمسابقة
آخر
الصفحة
الربيع و الخريف

  • المشاركات: 11357
    نقاط التميز: 4961
مشرف سابق
كاتب قصصي في منتدى القصص القصيرة
الربيع و الخريف

مشرف سابق
كاتب قصصي في منتدى القصص القصيرة
المشاركات: 11357
نقاط التميز: 4961
معدل المشاركات يوميا: 1.6
الأيام منذ الإنضمام: 7114
  • 23:25 - 2010/06/01

 

أومأ له بأن انتظر ثم هبط برأسه إلى رأس الحفرة و صرخ بقوة :

" يا إسماعيل . أنت يا ابن المدارس ، هل تسمعني ؟ " ، كان صوت المعاول و الرفوش يرتد عن الصخور الخام متمازجاً مع الرمل و الحصى المُهال

. و في البعيد حيث ينتهي عنق القارورة المحفورة في الحجر و تعم العتمة و تشتّد الحرارة الخانقة أكثر فأكثر ، يتناهى صدى انفجار واحد في وقت

محدد . و الأرض التي تخالها مستقيمة ً صقيلة كسيّق مدينة أثريّة قديمة ، تنقلب و لا تفهم كيف بالضبط إلى شبكة متشعبة النواحي متعددة المنافذ .

كادا أن ينقلبا على عقبيّهما ، و الشاب الذي هبط على الحفرة للتو يضع ساعده على كتف الآخر ، عندما سمعا شخصاً يتكّلم بغضب :

- ألف مرة قلت لك لا تناديني بمثل هذا اللقب يا فؤاد ..

- على رِسلّك يا أخي ! . أعرّفك ( و هنا مدّ ذراعه فارداً كفه للأعلى بإتجاه الشخص الآخر الذي يبدو أنه ضيّف ) . مانولو داليدا . وصل اليوم في

الصبح على متن سفينة فك الحصار ، صحيح أنه جاء من الشواطىء البعيدة إلى هنا إلى غزة فاضيّ اليدين على خلاف باقي الركّاب المتضامنين ،

لكن أعتقد أن قوته تكمن هنا ( و أمسك بكفيّ الضيف و رفعهما تحت الشمس ثقيلتين مجرحّتين مخضرتيّ الأظافر الكبيرة ) .

- حسناً ، لا بأس . قلت لي من أي بلد ٍ هو ؟

و كأن هذا السؤال الأخير لم يكن متوقعّاً ، فجعل فؤاد يدمدم بينه و بين نفسه و أصبع سبابته يطرق شفّته العُليا ..

- بلد بعيد ، و لكن لا أذكر اسمه الآن ..

اقترب إسماعيل من الضيف متجاوزاً فؤاد ، الذي كان لا يزال يفكر ، و سأله بالإنجليزيّة عن البلد الذي جاء منها و ماذا بوسعه أن يقدّم للذين

يعملون تحت بين الخشب و الغُبار .

الضيف ذو البشرة البرونزيّة المحروقة و الشعر الفاحم الغزير ، يبلغ من العمر ثلاث و عشرين سنة قصير القامة من إحدى ضواحي بوغوتا

عاصمة كولومبيا ، يعمل حاليّاً كحانوتي و قد سبق له العمل في منجم للفحم في ذات المنطقة ، و لكن حادثة انهيار منجم أدّت بحياة عدد من زملائه ،

دفعت به هو الذي نجا بحكم مرضه و تغيّبه يومها ، إلى أن يشارك في دفن جثث الرفاق و لم يعد بعدها إلى المنجم لشعور ٍ مبهم لا يستطيع التعبير

عنه بالإطلاق ، كأنما هو احتجاج دفين أو وعي شقّ الخوف و خرج من بين طيّاته ، الله وحده يعلم ، لكنه أخبر إسماعيل و شيءٌ من اليقين في

عينيّه ، أنه نفس الشعور الذي جاء به إلى هنا قاطعاً كل هذه المسافة . قال أن أوضاع العمّال هناك صعبّة جداً ، ساعات العمل الشاقة و ظروفه

الغير صحيّة ، و الأدهى و الأمر تلك القطع التي يرموها في وجهك آخر الشهر كإجار لأنك استعمّلت رئتك كمنفضة لغبار الفحم . إن شيئاً مشتركاً

يبقى يجمع بين الكفيّن الكادحتيّن هنا و هناك . و كذلك الشركات الأجنبيّة المادّة ميسمها جاسّة ً العمّالة الرخيصّة في مجتمع فقير تُفني عمرها

و صحّتها طارقة ً باب المجهول في تخوم الأرض الأم .

عبثاً كان التقرير الذي أذاعته الشركة تعقيباً على الحادث ، فقل لي إذن .. أين يمكنك أن تعثر على الكثير من الماس البارد إلا في الأماكن الأشد

  حرارة ؟ تلك الأماكن التي يموتُ فيها الإنسان ، و لا يفطن إلى نفسه ، من  غبار الفحم و الأنثراسايت و عرق الإنسان الهالك المُستغّل منذ

الولادة ..

عندما فرغ من كلامه و فتح إسماعيل فمه متهيأ للحديث .. عبرت طائرة إسرائيلية الأنحاء على علو ٍ منخفض ، فتناثر هدير ُ محركّها الصلد القاسيّ

ضاجاً يطحن كل ما دونه من أصوات ..

فبادره إسماعيل بلهفة :

- قلت أنك تعمل حانوتيّاً الآن ، أليس كذلك ؟

 

 

 مانولو داليدا يذهب إلى غزة . خاص بالمسابقة
بداية
الصفحة