لم أجد تفسيرا منطقيا أقنع به نفسي
وأرضي به فضولي لتواجدي في هذا المكان الخالي من أحد إلا سواي ،
كان كل شيىء يوحي بأني لم أحضر هنا عبثا
وأن هناك بوادر لقاء تلوح في الأفق،
فالصمت الغير مبرر والهدوء اللامعتاد
جعلني أحس مجبرا أن كل ما يحيط بي يصمت كرها
ويحضر دونما إرادته ليكون شاهدا على شيىء لم يقع بعد .
كان تحرك الشمس في السماء بطيئا،
تترنح غير مستقرة في حيرة من أمرها بين الغروب أو البقاء،
لكن يقيني زاد بأن موعدي المحتمل له علاقة بها .
بدأ القلق يسري مني مجرى الدم في العروق ،
لم أحتمل الأمر .
ومع جمود كل شيىء حولي كنت أحس بتلك النظرات المشدودة إلي،
كان ذنبي أني إنسان !
أحسست بشيىء لا يرى يقترب مني
لكنه سمح لي برؤيته عن قرب،
لم أحدد ملامحه ،
كان يتخذ من لون الماء لونه
رغم أن لا لون للماء !
بنبرة غاضبة سألني : كيف تجدني ؟
أجبته : أجدك لا شيىء في صورة شيىء ،
سَرقتُ منه إبتسامة أكاد أراها تشق جمود خذيه ،
إستدار وهو يجوب بعينيه المكان كأنه يشهد الموجودين على قولي،
عاد بنظره وربط عيناه بعيناي وهو يسألني : من جعل مني لا شيىء ؟
قلت : أنت
قال : كيف؟
قلت : لأنك الجبن ،
لأنك الكذب ،
لأنك الوهم ،
لأنك الخداع ،
لأنك لا شيىء ،
أنت من جعلت منك لا شيىء.
كان عدم دعوة الغيوم أمرا مقصودا
لكنها أبت إلا أن تحضر،
لكن حضورها جعله يختفي بعض الوقت،
حَجبت الغيوم تسلل أشعة الشمس إلينا
لكنها تفهمت الأمر وتفسحت تاركة المجال لهذا اللقاء بأن يستمر .
ومع إتصال أشعة الشمس بالأرض من جديد
عاد وقال : أرأيت لست أنا من جعلتُني لا شيىء
فأنا شيىء ،هم وأنتم من جعلتم مني لا شيىء .
الغيوم التي ظهرت فجأة كانت شاهدا رئيسا في هذا اللقاء
فكأنها أدلت برأيها ثم اختفت.
سألته من تقصد بهم وأنتم ؟
شكرني على السؤال وقال: بأنه علامة من علامات فهمي للقصد من هذا اللقاء
فهُم تسقط على الطبيعة وكل ما ينسب إليها الشمس والقمر والغيوم الضوء الهواء ...
وأنتم أي بنوا البشر.
قال : ألم تسألوا أنفسكم لما أختفي كلما اقتربتم مني ؟
أجبت : لأن لا تملك الشجاعة لتبقى في مكانك.
قال : لأني لست كاذبا و لست مخادعا ولأني أصلا لم أكن بذلك المكان كما صورته لكم أعينكم وعقولكم ،
قلت: وإذا لم تكن مخادعا كاذبا فمن تكون ؟
قال : أنا السراب
أنا شيىء جعلتم منه لا شيىء،
أنا السراب حينما تتحامل الطبيعة وأعينكم وعقولكم عليه
لتصورني لكم في صور عن بعد ترونها بأعينكم فتصدقها عقولكم
ومع إقترابكم تتلاشى وأتلاشى معها فأكون لا شيىء في نظركم
لكني ومع أني لا شيىء أبقى موجودا .
بقلمــ 30/04/2010 ـــي .
