دراسة صحفية شاملة أعدها لموقع كووورة عراقية وصحيفة صوت الاهالي:
علي فاضل البدراوي
مقدمة
أثرت رياح السياسة في التاريخ على الرياضة بشكل عام وأحد مفاصلها الاساسية لعبة كرة القدم بصورة خاصة، ولايختلف ذلك التأثر الذي تصاب به الرياضة جراء الظروف السياسية المحيطة عن مناحي الحياة الاخرى التي لاتقل تأثيرا عنها بالعامل السياسي، ولنا بالحدث الرياضي المتأثر بالسياسة أمثلة كثيرة أهمها توظيف دورة ألعاب برلين الاولمبية لعام 36 كفعالية دعائية للنازية..

ليحل بعدها توقف إنطلاقة فعاليات دورات الالعاب الأولمبية إبان الحربين العالميتين الاولى والثانية وتأثرها أيضا بالصراع الدائر بين القطبين المتنافسين إبان فترة الثمانينيات والذي أثرت تداعياته على فعاليات دورتي ألعاب موسكو 80 ولوس أنجلوس 84 ناهيك عن توقف مونديال كأس العالم لدورتي (42 و46) بسبب الحرب العالمية الثانية ومؤثراتها على مجتمعات المعمورة وتأثر البعض من دوراته بالظروف السياسية أهمها ماحدث في مونديال كأس العالم في الارجنتين التي كانت تحكمها عصبة انقلابية عسكرية عام 1978..
وقد لعبت رياح السياسة على لعبة كرة القدم في العالم دورا كبيرا تمثلت بإنبثاق بطولات ومنافسات أخذ الطابع السياسي فيها منحىً كبيرا...
ومن أهم البطولات الكروية في تاريخ كرة القدم التي أخذت طابعا جيوسياسي هي دورة الخليج العربي والتي إنطلقت كرد فعل على تهديدات شاه إيران السابق بضم البحرين الى بلده، وما ديمومة هذه البطولة الا تعبيرا سلميا معنويا يحمل دلالة الرفض على مطاليب دولة الضفة الاخرى من الخليج بتغيير التسمية..
بطولة أخرى أخذت طابعا سياسيا رغم بعدها القومي هي بطولة كأس العرب، والتي انبثقت في أواسط ستينيات القرن الماضي وأخذت طابعا قوميا نتيجة لسيطرة الأنظمة التي اتبعت السياسة القومية في المنطقة العربية، أو بطولة كأس فلسطين التي أخذت طابعا سياسيا معنويات جاء بعد نكسة العام 1967..
عالميا هناك بطولة الجزر البريطانية التي ولدت في وقت سطوع شمس الامبراطورية ولم يعد لها وجودا يذكر نتيجة لانتفاء الحاجة..
البحث
مدخل
السياسة وتأثير رياحها على الكرة العراقية
من المتعارف أن الولادة الحقيقية لكرة القدم العراقية جاءت من عاصمة الدولة التي كان العراق بولاياته الثلاث ينضوي تحت خيمتها " اسطنبول"، عبر الطالب العراقي مظفر أحمد الدارس هناك لكن الكرة العراقية بشكلها المُنظم لم يعرفها لها وجودا يذكر الا بدخول قوات الاحتلال البريطاني الى العراق أواخر العقد الثاني من القرن العشرين، وعلى أثر ذلك انبثقت بطولات نعبر عنها بالمعنى الحديث "بالتوأمة" بين الفرق الانكليزية والفرق العراقية سرعان ماتطورت الى مباريات وبطولات شملت تباري فرقا لقواعد الجيش البريطاني فيما بينها بعامليها العراقيين والاجانب والبريطانيين أيضا أو تباريها مع الفرق العراقية.. ومن هذا المنطلق نتوصل الى حقيقة مفاهدها أن العراق يكاد ان يكون البلد الوحيد بالعالم الذي خلقت فيه الظروف السياسية لعبة كرة القدم..
الوضع السياسي في العهد الملكي في العراق وتأثيره على الكرة العراقية

مثلما ذكرنا سلفا بأن النظام الرسمي بأسسه الصحيحة للكرة العراقية بدأ مع الاجتياح البريطاني للعراق والذي اسفر عن انبثاق الدولة العراقية بإسمها "المملكة الهاشمية العراقية"، فإضافة الى البطولات التي أجريت طيلة عقود العهد المملكي الثلاث بين فرق القوات البريطانية فأن بطولات محلية أقيمت إبان هذا العهد أخذ الطابع السياسي حيزا فيها عبر مسمياته، فحسب ما أجمعت عليه المصادر الموثوقة لم تعرف الكرة العراقية في عهود ولادتها الاولى بطولة رسمية ارتبطت بإسما رياضيا "كالشباب أو الكشافة أو الفتوة أو الالعاب" على سبيل المثال أو وطنيا كالعراق أو إسم العاصمة أو "ألوية" البلاد، فبطولات أوائل العهد الملكي إرتبطت ارتباطا مباشرا بالوضع السياسي في العراق ولنا من الامثلة ماسندرجه أدناه:
بطولة كاجلوس:

وهي التي ارتبطت بتواجد قوات الجيش البريطاني وحلفائه في العراق.. وبطولة الملك فيصل الأول وبطولة ولي عهده "غازي" التي تحولت الى بطولة "الملك غازي الأول" فيما بعد، ولم تتوقف مسميات البطولات الكروية بالعراق عند القادة أو الحلفاء بل نزلت الى مراتب دنيا كبطولة السيد أرشد العمري "أمين العاصمة في ثلاثينيات القرن العشرين" ورئيس الوزراء في بعض سني أربعينياته...
لربما أثرت تلك التسميات السياسية من دون قصد على الشباب العراقي الذي أخذ يُنظم بطولات كروية ذاتية بعيدا عن رعاية الحكومة والذي إنساق خلف السياسة أيضا كأسماء لبطولاته..
ففي العام 1937 نظم فريقي اتحاد الكرخ والرصافة بطولة محلية شملت جزءا من مناطق بغداد بجانبيها "الكرخ والرصافة" سُميت بكأس فلسطين وقد تم تحديد ريع مبارياتها لصالح القضية الفلسطينية...
السياسة تلعب دورا في أول مباراة دولية خاضتها الكرة العراقية
حتى وقتنا الحالي تشير أغلب المصادر الى أن نادي بردى السوري يُعد أو فريق خارجي زار العراق وتبارى مع فرقه..
ففي شهر شباط/فبراير من العام 1938 قام نادي بردى السوري بزيارة تاريخية الى العراق وخاض فيه عدة مباريات مع فرقه، لكن تلك المصادر التي اتفقت على أولوية بردى السوري عن غيره بالزيارة لم تشر الى سببها..
وفي بحثنا واستقصائنا التاريخي وجدنا أنه وبعد وفاة الملك فيصل الأول في العام 1933 أخذ المد القومي يتنامى بالعراق بفضل تولي إبنه الشاب الملك غازي الأول لادارته، هذا الملك أخذ موقفا حازما من القضية السورية تجاه الانتداب الفرنسي وله عدة مواقف مع هذا البلد وصلت إحداها الى تحمل الخزانة العراقية نفقات إقامة الوفد السوري المفاوض في باريس عام 1936 من أجل عقد معاهدة بين البلدين تحل محل الانتداب الفرنسي لسوريا ناهيك عن موقفه في (عام الزيارة) الذي تمثل بتخصيص برنامج اذاعي يقدمه بصوته من إذاعة (قصر الزهور) يحث فيه الشباب السوري على الوحدة والانتفاض ضد المستعمر الفرنسي، لذلك من الطبيعي أن يكون أول فريق خارجي وطأت أقدام لاعبيه أرض العراق سورياً..
بطولات وزيارات كروية لحلفاء العهد الملكي في العراق
استمر النهج الكروي بالعراق إبان الحرب العالمية الثانية (1939-1945) على طابعه السياسي متمثلا بتباري الفرق العراقية مع الحلفاء والذي تجسد ببطولة التحدي التي أجريت إبان الحرب العالمية الثانية بين فرق المنتخبات العسكرية لدول الحلفاء في الحرب (العراق وبريطانيا وبولندا)، ويعد إسم البطولة مثالا واضحا على الدلالة السياسية لها كونها أقيمت في أوج صراع الحلفاء بالمحور في الحرب العالمية الثانية..
بعد وفاة الملك الشاب غازي الاول في العام 1939 شهدت أربعينيات القرن العشرين عودة كاملة للدولة العراقية الى الصف البريطاني وعلى أثر ذلك نلاحظ قلة التباري مع الفرق العربية على الصعيد الودي بإستثناء الزيارة التاريخية لفريق المعارف العراقية الى لبنان وتباريه مع فرقها ومنها فريق "الجامعة الامريكية في بيروت" أما المنافسات الكروية الاخرى فقد إنحصرت بالبطولات التي تقيمها قواعد الجيوش البريطانية المتواجدة في العراق والشرق الأوسط، فعلى سبيل المثال تشير الوثائق البريطانية إلى أن بطولات كانت تنظم بإدارة وإرادة بريطانية في آن تشترك فيها قواتها بإسم الدول المتواجدة فيها، فبطولة قناة السويس كانت الجيوش البريطانية المتواجدة في قاعدة الحبانية تلعب بإسم "الفريق العراقي" كإختصار لاسم "فريق الجيش البريطاني المتواجد في العراق" مثلما كانت تظم لاعبين عراقيين بين صفوفها...
حلف بغداد الرياضي!
شهد أواسط العقد الخمسيني إنبثاق حلف سياسي عسكري سُمي بحلف بغداد عارضته الكثير من دول المنطقة العربية كون إنشائه قد جاء بوصاية أمريكية بريطانية لمجابهة المد الشيوعي السوفيتي في منطقة الشرق الاوسط، هذا الحلف شمل إضافة الى مركزه الرئيس العراق كلا من الباكستان وإيران وتركيا وفرنسا وبريطانيا ورقابة أمريكية، على أثر ذلك الحلف الذي بدأت فكرته منذ مطلع العقد الخمسيني ومفاوضات إنشائه في العام 54 لينبثق رسميا في العام 1955، يلاحظ المتتبع أن العقد الخمسيني للكرة العراقية شهد تقاربا ملموسا للكرة العراقية بنظيراتها (التركية والباكستانية والايرانية) من خلال المباريات ذات الطابع الودي والتي تمثلت أولها بزيارة أول منتخب عسكري خارجي الى العراق وهو المنتخب العسكري الباكستاني الذي زار العراق في أواخر العام 50 وتعادل مع منتخبه العسكري بهدف لكليهما.. أعقبه زيارة أول منتخب وطني عراقي الى الجارة حليفة "المستقبل" تركيا في العام 1951 وزيارة نادي الميناء العراقي الى إيران وتباريه مع فرقها، حتى توّج عام الحلف 1955 زيارة رسمية لفريق النخبة في إيران (نادي تاج الايراني) – الاستقلال حاليا- أعقبه انفتاح كبير للكرة العراقية على دولتي الحلف الرئيسيتين (إيران وتركيا) في العام 1956 تمثل بزيارة مرسين التركي ومنتخب طهران الى العراق وذهاب النادي الاثوري الى إيران وكلية التجارة العراقية الى اسطنبول..
وزيارة ثانية لمنتخب الباكستان العسكري الى العراق في العام 1957 وتباريه مع فريق الحرس الملكي العراقي وزيارة نادي قاسم باشا التركي في نفس العام.. اضافة الى استمرار تباري الفرق العراقية مع فرق الجيوش البريطانية المتواجدة بالعراق..
ملاحظة إضافية تفرض نفسها بالبحث وتجبرنا على الاشارة اليها تكمن بزيارة قام بها فريق الشباب الاردني الى العراق وتباريه وديا مع (منتخب الشرطة والقوة الجوية) قبل أشهر من إنبثاق الاتحاد الهاشمي بين العراق والاردن...
لبنان وسر الاعتداء على الوفد العراقي فيها!

شهد أواخر العصر الملكي الهاشمي في العراق أول مشاركة رسمية للمنتخب الوطني العراقي في بطولة خارجية تمثلت بمشاركة المنتخب الوطني العراقي في دورة الالعاب العربية التي استضافتها بيروت في العام 1957، وما يذكر أنه أثناء الدورة تعرض الوفد العراقي المشارك فيها الى إعتداء خطير من قبل قوات "الدرك" شبه الرسمية بسبب ماوصل من أنباء الى "رئيس جمهورية لبنان كميل شمعون الموالي للغرب وحليف الملكية الهاشمية في العراق" تخص تقارب الوفد العراقي المشارك في الدورة مع الوفد المصري الذي كان يشكل نظامه الحاكم آنذاك عقبة في وجه طموحات الغرب في المنطقة نال على أثرها الوفد العراقي المشارك الاعتداء بأوامر من رئيس الجمهورية الذي حرض قواته شبه الرسمية بالتطاول عليه وسط تكتم السلطات الملكية الحاكمة في بغداد آنذاك وتعاملها مع الامر بلا أبالية...
نتوصل من خلال حلقتنا الاولى من هذه الدراسة التاريخية الى أن الكرة العراقية شهدت ومن طرف خفي تأثرا كبيرا بالمحيط السياسي للعراق تجسد بتباري الفرق العراقية مع حلفائه الذين قاموا بزيارات اليه أو استقبال فرقه في دولهم..
ولنا وقفة أخرى مع الكرة العراقية في العهود الجمهورية التي تلت العهد الملكي..
مصادر البحث تُنشر في الحلقة الاخيرة...
يتبع