~~~~ صخرة سيزيف... و أطفال حجارة من سجيل... ~~~~ ( بقلمي مع إهداء )
آخر
الصفحة
Gatila

  • المشاركات: 25481
    نقاط التميز: 8111
كاتب قصصي في منتدى القصص القصيرة
Gatila

كاتب قصصي في منتدى القصص القصيرة
المشاركات: 25481
نقاط التميز: 8111
معدل المشاركات يوميا: 3.9
الأيام منذ الإنضمام: 6600
  • 13:42 - 2010/01/07
صخرة سيزيف... و أطفال حجارة من سجيل...

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كان المكان، حيث كان للعزة في غزة مكان،

و كان الزمان زماننا، في عصر ساد على ما تبقى من رمق ديار الإسلام الهوان،

أشرقت شمس العزة الأبية على ثرى قطاع غزة، تجلي بأشعتها خيوط الظلام و تلحق بها الهزيمة المخزية، و تطرق أبواب فرسان الأمة ممن إشتروا الجنان بالبنان، ففي القصاص حياة و أمان لأولي الألباب، فما أخذ عنوة و بإحكام السطوة لا يسترد إلا بالقوة، و إلا فلنرضى بفتات الذلة بدون رحمة و نحن قابعون في الهوة .

فتح باب إحدى الدور، طفل من أطفال الحجارة، ممن حَبَوْا على أرض تتجرع في كل يوم المرارة، و وقفوا على واقع تخاذل أمة في فلك أمريكا كأنها كواكب سَيَّارَة، و شبوا و وعوا على أن من المسجد الأقصى ستوكن الشرارة، فمنهم من هم أحياء عند الله و منهم من لازال على العهد سعيه حتى يقضي نحبه ..

داعبت الشمس تقاسيم وجه الصغير، كأنها بحرارة حنان الأنامل تتحسسه، وَقَعَ نورٌ منها يتلألأ على بؤبؤ عينيه، فأغمض الصغير بعفوية ملاكٍ جفنه، فتبسَّمت الشمس فعلى شقاوته قد إعتادت بل و أحبت، إستدار الصغير للخلف، ففتح عينيه على طيف أمه الحنون، بدون تفكير رسم محياه بسمة مديدة، فعلى يد أمة تعلم المعاني الجميلة و الإشارات السعيدة، على جبينها طبع قبلة الصباح الحارة في إمتنان، و من أناملها التي تفوح برائحة المسك أخذ حقيبته المدرسية، فخطى خطوات و بيده على أنغام الفرح يُلوِّح، ثم أكمل طريقة في نشوة، و ما فاته أن يلتفت بين الفينة و الأخرى، ليرمق بالحنين أمه إلى أن غابت عن ناظريه، فحب فلسطين عند الصغير هو من حب أمه.. حتى إلى حارةِ صاحبه وصل، فإلتقى به على مقربة من بيته، فهذا أول يوم في العام الدراسي الجديد، لكن ما كان لينسية خليل الصف القديم، فسوية على الدرب كانا، و عليه سيستمرا. تبادلا السلام و في لب اللعب دخلا مباشرة و هما في طريقهما إلى المدرسة، حيث أطلاقا عنان الحرية للأقدام سوية و هما يسابقان الريح، إلى أن وصلا إلى مفترق الطرق، حيث جرت العادة منذ الأعوام الماضية، بوجود حاجز مروري و دورية لأنجس خلق الله، و رجس بني الأنام على الأرض، أخزاهم الله إلى يوم يبعثون ..

و بدون حتى أن يشعران، توقف الصغيران على مهل، و بدأت مقلهما عن حجر سجيل تبحثان، إلى أن وقعت منهما عليه اليدان، فأخذا منه في عجلٍ يكيلان، ثم من الدورية إقتربا يتسللان و هما لا يأبهان، إلى أن كانت في متناول مرمى حجارتهم، فأخذا في سرعة البرق لأحلاف الشيطان يرجمان، إلى أن نفذ منهم حجر الذخيرة، فأطلقا من جديد لأقدامهما العنان، قبل أن ينال منهم بنو اليهود برصاص جبان، و بالعزة تترقرق منهما العينان، إلى أن وصلا باب المدرسة قبل أن يغلق، فعلى هذا جرت عادتهم، فعادة ما يبدد الصغيران الوقت و هما يلهوان، لكن على حساب بني صهيون في طرفة عين له يستعيدان ..

توجه الصديقان إلى فصلهما المعلوم، ففصول المدارس في غزة فصل و ليست بفصول، فوجدا القسم غاصاً بملائكة صغيرة عنهم لا تختلف، أسموها هي أيضا أطفال الحجارة، إلا من مقعدين شاغرين لهما ينتظران في مقدمة الصف، فجلسا و كلهما أشواق لتعلم أبجديات العزة و حروف الحرية على يد المعلم الجديد .

فدخل المعلم الباب، بهندامه الإفرنجي يزهو بخيلاء كالطاووس، فرحا بحذائه الذي يحمل التوقيع، و بربطة عنقه التي تحمل ألوانا غريبة ليست في أعلام الوطن العربي أو الإسلامي كافة، و بين يديه سيجارة قالوا عنها من النوع الفاخر، و على يده تتدلى ساعة متوقفة لكن يبدو أنها ذهبيه، و من جيب قميصه يطل قلم يختلس النظر بوقاحة يبحث عمن يدفع أعلى أجر، و لم يكلف المعلم و هو الذي من الرياء له تكليف، أن يلقي على جيل الغد السلام، فعلى ما يبدو فالمعلم قد خان الأمانة ..

ثم بدأ المعلم يلقي درسه، و آذان الصغار له صاغية،

فبعد أن أثنى على الغرب و أذنابهم جملة و تفصيلا على ما يزيد عن الساعة، زادهم في المديح كيلا نصف ساعة أخرى، و الحصة كلها ساعتان، كأنهم شعب الله المختار فعلا، حتى داعب النوم عيون طفلي الحجارة، و مع ذلك قاوماه بحرارة، فعلى طلب العلم لهما إصرار، حتى يكتب لهم النصر و يصبح أهل بلدهم من الأحرار، فدربهما درب الدم و القلم و النار و الأخذ بالثأر ..

فهمس أحدهما للآخر قائلا :

صبر جميل يا أخي، ففي علم القوم و تطور عتادهم و أسلحتهم و تقنياتهم، سيتحدث المعلم و يجيز و سيأتينا منهم بالمفيد، فنفيد من بعد و نستفيد ...

ثم أغلق المعلم مقدمته الطويلة، ثم دخل في ما بدى أنه لبالموضوع، و شرع يحدث عقول أطفال كبيرة تحتضنها جماجم صغيرة، لا تفهم إلا لغة منطق الصراحة، و تجيد بدقة قراءة المكنون بين السطور .

حدثهم عن آلهة وثنية رعتها الميثولوجيا الإغريقة فوق جبل الأولمبوس، و كيف أنها كانت ملهمة الأدب الغربي في عصور النهضة و ما قبل النهضة و حتى اللحظة، فلأجلها نحتت أجملل التحف الفنية في بلاد الإغريق، و لأجلِ حِفْظِها من الضياع خط على السطور هوميريوس الإلياذة و الأوديسية، فهي خير ما أنجب بنو الإنسان فيما كتب بالأقلام، حتى كانت أصلا لكل فن و أدب عند من سبقونا من الغرب ..

فهمس الصغير من جديد لخله و قال :

هذا و الله من قلة الأدب، فالكفر كفر حتى و لو تنسك و فاح منه المسك، فلا خير في علم عالم لا يعرف في الكون قدره، إلا و كان علمه عليه شاهد عيان عندما يواريه الثرى في قبره، فما بالك بأدب لم يستحي من خالقه و في الوثن يمتد نسبه.. يا صاحي يبدو أن من يعلمنا يروم عَدَمَنَا، فمنه بدر العيب و لسانه الأفاق ينطق بالأدب.. هذا هو العجب !!! ...

ثم أطرقا من ثانية لما يتخبط في محيط الفصل من وضيع الكلم، فإلتقطت منهما الآذان حديث المعلم عن سيزيف البشري إبن الملوك الماكر، الذي إشتهر بمجونه و فسقه و دهائه، حكم عليه زيوس الإله الوثني بأن يكبل في الجحيم بالسلاسل، بعد أن أفشى بعضا من أسراره بقلاقل و عاث في الأرض فسادا، فإحتال على إله الموت الوثني ثانتوس المكلف بغله، حيث أقنعه بتجريب متانة الأصفاد المعدة له عليه، ففر و بنفسه نجى و زهى فما زاد هذا زيوس إلا غضبا، فحكم عليه في الجحيم ثانية بأن بحمل صخرة كبيرة من أسفل الجبل إلى قمته أبد الدهر، لكن ما كانت تكاد تطأ قدمه قمة الجبل، حتى تسقط منه الصخرة و إلى الأسفل تتدحرج، فيعود لحملها ثانية، فتتدحرج منه عند القمة، و هكذا دواليك ...

و في غمرة هذا الحديث تثائب الصغيران، و لحديثه ما عادا يأبهان، فعن حروف هوانه هما مستغنيان، و بحجر أرض العزة و الإباء مكتفيان، فأخذا يتمتمان و لبعضهما يسليان و للملل يطردان ...

حتى تنبه لهما ما أسموه بالمعلم و قال :

أنتما يا من لا تعرف لكما البشرية في قوائم الأطفال أسماء، نعم أنتما يا هاذان... إلي يا تافهان أقبلا ...

كتم الصغيران غيضهما و إليه في الحال أقبلا،

و أتم المعلم خطابه الوقح :

أما رأيتماني ألقي عليكم الدرس، أم أنكم من الصم و البكم الذين لا يعقلون ؟!

فأجابه أحدهما و قال :

يا معلمنا الكريم، أما بلغك أننا إن كنا ممن لا يعقلون، فنحن بك مقتدون، ثم ما رأيناك تلقي علينا درساً به ننتفع، لكن رأيناك تزرع في أرواحنا الوهن و في قلوبنا اليأس، ثم أما ترنا أنت أننا كابدنا عناء الحواجز و إستفزازات بني صهيون على الكتف نحمل أكفاننا و حقائبنا لنأتي إلى هنا لنلعب و نلهو ؟!.. لا يمعلم، أخطأت النجعة، فلو كان هذا أملنا لما بارحنا بيوتنا كما فعلت جل العرب و الأعراب، ممن رضيت عن طيب خاطر بالإستسلام تحتى مسمى السلام، فصاروا مضرب مثل عند أمم الأرض في الجبن و الغبن من جزر الواق واق إلى قارة أطلانطيس الغابرة، بل يا معلم بين أزقة غزة و دروب العزة نطلب الحرية و العلم و لا نذخر الهمة... و لقد كنا لك آذانا صاغية... لكن ...

فقال المعلم :

لكن... لكن ماذا ؟ !

فتابع طفل الحجارة حديثه :

لكن وجدنا خطبتك السيزيفية لبذور الأمل عندنا ناسفة، من معاني العزة و الكرامة التي نطلبها حَدَّ الشهادة جافة، و بالموبيقات شخوصها تقف من الهاوية على الحافة، تروي بالعلقم من للحرية يتعطش بدون رأفة، و تبيد الأمل في لحظة ليغدو مجرد جثة جيفة نافقة،

وجدنا بالذُّل كلماتك خافقة.. و على لسان الهوان هي ناطقة.. و بالخنوع تفاصيها حافلة ..

و جدنا في التغريبة السيزيفية كل المعاني السافلة، و لم نرى قطرة حبر واحدة متفائلة ...

فلا حاجة لي في سيرة زيوس و لا حتى في سيرة المجوس،و لا في دنس سنَّه الوسواس الخناس و صدقه الجهالى من الناس،

و فينا هدي الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة و السلام ...

و لا حاجة لي أيضا في سيزيفٍ سفيه، عَبَدَ الشهوة فأفقدته النخوة و النجوى،

فصدقا ...

لو كنت مكانه.. لحمدت في كل الأحوال رب العالمين، و لحملت الصخرة بيدي هاتين، و بها لقذفت في وجه الشيطان أرجمه، إبتغاء مرضاة الله، فنحن قوم لا ننحني إلا للواحد القهار، تجري في عروقنا دماء الأحرار، و في الذلة لنا عار...

فإما شهادة بعزة على ثرى غزة ...

أو نصر قريب يضمن لنا العيش في كرامة ...

فإن كان أول العام سيزيف... فأكيد أن آخره يا معلم سيكون نكسةً ...Gif aigles

 

 

 

 

 

 

 Gif aigles

إهداء إلى أهل القصة القصيرة من كل الأمصار ...

فما خطت هذه الحروف إلا من أجل تقديم الإعتذار ...

فبعد أن فقدت من قلمي عن غفلة مني العنان ثار كالإعصار ...

علي و على من غمروني بمسك الحرف غدر بدون أدنى سابق إشعار ...

فعلا ما كفاني في حق معروفكم حروف لغة الضاد و لا قرض كل الأشعار ...

مع كل إمتناني صحبة عرفاني يحفهما إلتماس العفو و العذر مرسلا مع أجمل باقة شكر ...

جزاكم الله عني خيرا و عذرا ..........................................

 

 

 

 

 

 

 

بقلمي المُمِلْ ...

 ~~~~ صخرة سيزيف... و أطفال حجارة من سجيل... ~~~~ ( بقلمي مع إهداء )
بداية
الصفحة