جَاءَ الطُّوفانْ
كما تجيءُ السّجائـرُ المشتعلـة
في جَوفِ طفلٍ دونَ أقدامْ
جاءَ من فَضاءِ الوديانْ ،
تغمرُه الأشّعـة ..
فيسبحُ فيهِ العالمْ
جاءَ بكل ما آتاهُ الإلهُ
من عيونٍ أنثَويـة
من قبْضـة حُلمٍ ..
يسبحُ في عيونِ صبيّة .
جاءَ الطّوفانْ
بأمواجهِ الغنائيَة
ليُوقفَ نبضَ الصّمْتِ ..
فِي بُيُوتٍ عربِيَة ،
و أنا ..
- بقَدَمايَ الثقيلتانْ –
أهربْ، أبقَى
و أسبحُ في بنادِقَ رمليَة .
يغسلني المَطَرُ ..
من دمِ الفُهودِ الملطّخَة
ببقعِ الزّيتِ
فأدعُو :
يا إلهي إنّي كنتُ أؤمنُ
أسجُدُ ..
حينَ أتقيّأُ من شدَّةِ الجُوعْ
و اليوْمَ أرجُو
احملنِي ..
حيثُ الجبالُ الهادئَة
حيثُ الوُرودُ
و النّساءُ ..
بأثوابٍ هارئة
احملني ..
من عِظامِي
فإنّي أيضاً ..
طفلٌ رضيعٌ أُهَدْهِدُ
الأمواجَ الهازئَة ،
فأصدحْ ..
بكل ما في الأناشيدِ من أصداحْ
فيأخذني الطّوفانُ
إلى عُرْسٍ ..
يتقزّزُ من الأفراحْ .
يجيءُ الطّوفانُ
كما تجيءُ الرغبةُ في السّهَرْ
فأغرَقْ
و تغرقُ معِي ابتساماتُ الأطفالْ
الذينَ خبئُّوا وجوهَهُم للحقيقَة
غرقتْ طنجَة ..
و كل ما فيها من حقيقَـة ،
جاءَ الطّوفانْ
فنسيتُ معطفي ..
في يدِ امرأةٍ لم تغتسلُ من كيدها
و لم تُؤمنْ أبداً ..
بسحابَة صوتِها
فانجني أيها الإلـهُ
و معطفِي ..
من ليلهَا
و من طُوفانٍ أُحيلَ ظلاً
من ظلّهـا .
جاءَ يومُ البُعثَة
إلى شاطئِ المَوتْ
و آنَ الأوانُ لِيُولَدَ ..
من المَدينَة
أُناسٌ آخرينْ ..
بلا وَجَهْ
و لا صَوتْ ،
جاءَ الطّوفانْ
فزحفتِ الأعمدَةُ
إلى حَمَإِ القَبرِ
مَنْ يا تُرى كانَ يدرِي ..
أنَّ أرضَ اللهِ ..
سوفَ تنجبُ حُلماً شفّافاً
في الخطأ يجرِي ،
آنَ الأوانُ ..
ليأخذنا الطّوفانْ
لليلِ شَمسٍ بلا جُدرانْ
لبحرٍ يغسلُ وَجْههُ ..
بنتنِ الجُدرانْ .
آنَ الأوانُ ..
أن يستريحَ العالم من هذا التشرُّدْ
و تتحجر غيومُ اللعنـة ..
في سحابِ ليلٍ مُلبّدْ .
جاءَ الطّوفانْ
و جاءتْ معهُ سفينَة نُوحْ
و جاءتْ معه كلُّ سويعاتِ الأملْ
و كل ما في الأسنانِ من جُروحْ
فصعدَ العالمُ إلاَّ أنـا..
ربّمـا..
لأنّي كُنْتُ أحتفـلُ ..
بميلادِ السَّنَـة
في جوفِ الغيابْ ،
صعدُوا كما تصعَدُ الأغاني الهادئَة
في ظهرِ السندبادْ ..
و بقيتُ أنا ..
- في العمقْ –
أقبّلُهـمْ قُبَلَ الرّمادْ ،
و أصيحْ :
يانوحُ أدركنِي
يانُوحُ أدركنِي
يانُوحُ أدركنِي .
بقلمـي فخرالدّيـنْ