~~~~ غدر الذئاب... أهون بكثير من غدر بني الإنسان... ~~~~ ( بقلمي )
آخر
الصفحة
Gatila

  • المشاركات: 25481
    نقاط التميز: 8111
كاتب قصصي في منتدى القصص القصيرة
Gatila

كاتب قصصي في منتدى القصص القصيرة
المشاركات: 25481
نقاط التميز: 8111
معدل المشاركات يوميا: 3.9
الأيام منذ الإنضمام: 6596
  • 14:36 - 2010/01/05

Gif loupsغدر الذئاب... أهون بكثير من غدر بني الإنسان ... Gif loups

 

 

 

 

 

 

 

كان يا مكان، و في سالف العصر و قديم الزمان،

كانت قرية الهناء الصغيرة، تجثم على ثخوم الجبل و على سفحه دورها السعيدة متناثرة، و المياه من بين آبارها العذبة متدفقة و بالسلام جارية، سكانها الآمنون على قلتهم قد جبلوا على الطيبة، فمن قبل قد ألفوا العيش بعفوية بين أحضان الطبيعة،

و على مقربة من القرية الشريفة، غابة أشجار من الدغل كثيفة، على بني الإنسان ظلت عفيفة، فقد سكنتها من قبل وحيش مخيفة، تقتات على الأحياء و حتى على الجيفة.

فنت كلها، فلم يبقى منها لا سباع و لا ضباع إلا ذئب غدار، أحب أن تكون الغابة ملكا له وحده و على ذلك كان منه إصرار، ما صاحب أسدا و لا ضبعا إلا وطعنه في الظهر بدون أعذار، بين السباع أوقع بعد أن إستعان بحيلة الثعلب الماكر، أغراه إن كتب لخطته أن تنجح فَسَيمُنُّ عليه بعيشة الأحرار، و قطع له على ذلك العَهْدْ وَعَدَ شَرَفٍ في نكثِهِ له كل عَارٍ، فأفتى الثعلب بين الوحيش بأن الغابة لا تقبل إلا ملكا واحدا عليها يستأثر، فالطرائد قد ندُرت و للكل ما عادت تكفي إن كان على هذا الحال إستمرار، فوقعت الفتنة في حديث الغربان من بين الأشجار على مسامع السباع، فأبادت بلى رحمة بنات آوى و الضباع بدون سابق إنذار، ثم لبعضها مالت فأفنت بعضها دون أدنى إعتبار، فقد تبخرت صلة الدم و الرحم كالبخار أمام بريق الأنا و الصولجان،

و لم يبقى في الغاب، سوى ذئب غدار و ثعلب ماكر في آخر المطاف، فوثب الذئب على الأخير،و قتيلا أرداه بعد أن سأله و لم يكن لإجابتهِ ينتظر :

كيف فات الثعلب الماكر أن الذئاب قد جُبِلَت على الغدر، إن لم يكن له في نفسه غرض سيناله آجلا أم عاجلا عن مكر يا شاطر ؟!

فتسيد الذئب الغدار على الغابة، فصارت كل القيم فيها معابة، فعلى الحيوانات المسالمة الضعيفة سن قانونه و نابه، و ما دخل عابر سبيل من الإنس الغابة في زمانه إلا و إختفى معه سرابه، فأذعن أهل القرية للخوف و كُلٌ  في وجه الدغل أوصد بابه، و ما عاد أحد منها يحتطب أو يقضي أغراضه.

مرت على القرية الأيام، في غمرتها طويت الغابة في الكتمان، و بقيت ذكرى الذئب عالقة بتلافيف الأذهان، يًخَوِّف بها العجائز كل شقيٍّ من الصبيان، كما خُوِّفَتْ بالغول أجيال في سالف الزمان، حتى للأمر ينصاعوا و على الخوف يصبح لههم إدمان، و من المجهول ترتجف فرائص الوجدان، فالخوف أصيل في كل بني الإنسان، ما أنكره إلا جبان بإفك و بهتان، لكن ليس حدَّ الذل و الهوان...

و في حي الوفاء بقرية الهناء، و لد طفلان سعيدان، على الحياة أقبلا و هما يبتسمان، لبعضهما البعض في المهد ألفا فمن ثديي الإخاء رضعا، سوية تعلموا خط الحرف على السطر بالبنان، و كليهما في اللعب و اللهو لم يتمهلا و أبدا لا يكلان، الواحد منهم توأم لروح الآخر و لقلبه باب و عنوان، حتى أصبح إسمهما على لسان الحب إسم لا إسمان، جرت السنون و على أديم الثرى شب الإثنان، يجمعهما الود الذي يحيي ذكرى سالف الزمان، حيث الشوق و الحنين بين الأطلال يلتقيان، و على المحبة يمسيان و الأخوة يصبحان، حتى كانا في قرية الهناء مضرب مثال في العرفان، و في حفظ الجميل و الوفاء المُصان ...

و في صباح ذات يوم معلوم،

أصبحت قرية الهناء السعيدة، على جثة فتاة عذراء لم تكتب لها الحياة المديدة، بجنب النبع إجتمعت القرية على الرفاث تنعي حياة كانت في العمر زهيدة، فقد أكلها الذئب و ترك منها أشلاء عديدة، فعلى الذئب عادة الغدر ليست بجديدة، لكن هجمته على على القرية كانت من البال بعيدة، فيبدو أن الذئب أتى على كل ما يَدِبُّ في الغاب بالحياة البريئة، حتى أصبحت الغزلان و الأرانب و حتى الطير مجرد أسماء معدودة معدومة، فلن يحول بينه و بين البشر بعد اليوم أبواب منازل مسدودة.

تزايد أعداد الضحايا، و القرية على لسانها أنا و من بعدي الطوفان، فما رأت من قبل أشلاء مبعثرة و دماء مسفوكة ماثلة أمام العينان، بل حد تعريفها للموت كفن و جثمان يرقد بسلام على السرير في إطمئنان، كما قالت العرب و ما بلغهم : فلا نامت أعين الجبان ...

و في ظل تهاون الداني و هوان القاصي، و إنهيار المعاني و سيادة الحس الأناني ...

أخذت الأنفة و النخوة الصديقين، و على الثأر من الذئب كانا عازمين، فمن قبل لبعضها بالروح يفديان، فما بالكم بأهل و ديار و عشيرة يعيشون فوق أرض رب العالمين ؟!

في الصباح الباكر ضربا لهما ميعادا، بعد أن أخذا كل أخذا معهما سلاحاً و قليلاً من الماء و الزاد، إمتطيا صهوة الجياد و كانا على أهبة الإستعداد،

و ما إن وطأت الغابة حوافر الجياد، حتى كان للذئب علم بدون سابق ميعاد،

بين الأشجار في خفة بدأ يتسلل، ظنا منه أنها فريسة المنال، حتى وصوله إليهما كانت الفريسة تشغل منه البال، و لكن بمجرد رؤيته للعتاد خابت منه الآمال، لكن ما كان الذئب ليخلف تحديا فهذا من المحال، و فجأة خبرته نفسه أن يعيد معهم ما فعل من قبل مع الثعلب و السباع،

فكان منه أنه كان يتحين الفرصة المناسبة، ليظهر للفارسين اللذان يلاحقانه ثم في لمحة بصر يختفي، ظل الذئب معهما على هذه الشاكلة لأيام و ليالي، حتى أبعدهم عن قريتهم و أخرجهم من الغابة إلى صحراء شاسعة لا أول و لا آخر لها، و في غمرة كل هذا، ما فطن الصديقين الحميمين بأن الزاد قد نفذ و الماء شارف على النهاية، مع الأخذ بعين الإعتبار الإجهاد و التعب الذي نال منهما، و الجفاف الذي أصاب بدنيهما، فلن يكتب لأحد منهما البقاء في غنى عن الماء ليوم واحد في عمق الصحراء ...

فعزما على الرجوع بخفي حنين، خير من الموت في الصحراء دون تأبين، و للذئب جثة سهلة المنال لأنيابه تستكين،

في ليل إحدى الليالي، و في طريق عودتهما إلى القرية...

و بعد أن أوقدا نارا كبيرة، و أسهبا في الحديث عن طفولتهما و عن الأيام الخوالي، و للنوم العميق بعد ذلك خلدا فبالنار من الذئب قد إحتميا، فإستفاقا في الصباح ليجدا جثتي حصانيهما قد مثل بهما الذئب، فقد تسلل خلسة بالليل و لا رغبة له في الإلتهام، فعليهما قد أجهز ليزيد فقط من محنة الصاحبين و بعذابهما يتسلى،

فما زادهما هذا إلا حماسا، أو هكذا ما بدى ...

و أقسما على تقاسم قطرات الماء قطرة بقطرة، و على إكمال المسير إلى الديار خطوة بخطوة، و على ذلك تواعدا إلى أن يمنَّ عليهم الله بالفرج من فوق السماء، فكل واحد منهما للآخر هو فداء،

هكذا قالا، و على هذا تواعدا ...  

حتى أرخى الليل على البيداء بسدوله، و غالب التعب أقدام الصديقين و النوم جفنيهما، فإحتميا بكهف فيه يقضيا ليلتهما، ليكملا مسيرتهما مع الفجر الباكر، و في القربة الماء لم يتبقى سوى النذر اليسير الذي بالكاد يوصل أحدهما للقرية بعد مسيرة شهر،

و في الصباح،

إستفاق أحد الصديقين،

ليجد نفسه وحيدا في الغار، ثم رمق المكان من حوله فلم يعد يرى لقربة الماء أثر، ففهم بسرعة أنه الغدر، أدنى الصفات و لكنه موجدٌ حتى في البشر،

فقد إغتنم الخليل الفرصة حين نام بسلام، ليستولي على الماء و يولي الأدبار و على الوفاء كان منه إستكبار، تارك إياه ليلاقي مصير من أمن للخلق فلحقه شرٌّ و هوان و عار،

فقال :

غدر الذئاب أهون من غدر الأنَامْ ...

فالذئاب في العَلَنِ تُعْلِنُ غدرها بالأعْلامْ ...

و غدر بني الإنسان يأتي من بعد إعلان السَّلامْ ...Gif loups

 

 

 

 

 

 

بقلمي الممل... Gif loups

 ~~~~ غدر الذئاب... أهون بكثير من غدر بني الإنسان... ~~~~ ( بقلمي )
بداية
الصفحة