كان يا مكان... من قبل و حتى الآن... 
كان يا مكان...
في سالف من العصر و الأوان،
جاء على لسان طير بلبل الأشجان،
في مجالس تفارق فيها الروح الأبدان،
لتجد لها بين حروف مغردة موطأ مكان،
و تنعم في أحضانها بسكينة نعمة النسيان،
متوارية بين تلافيفها عن رسم تجاعيد الزمان،
حيث يطيب لها العيش في عمق طي من الكتمان،
بعدما كان لها إليها إقبال و على صداها إدمان،
فقد أصابها منها ولع ما فارق منها الأذهان،
حتى بارح النوم المقل و قاطع الأجفان،
لهمس الهمس منها كان له إذعان،
حتى تمنع خطه بأنامل البنان،
و أسهب الحديث بالعينان،
يحدث بني الإنسان،
عن الضمئان...
عن باحث عن واحة الأمان،
و عن باقيا لأطلال ديار الإمتنان،
التي تجري بينها من الخير وديان،
تسقي زهرا و وردا و حتى أقحوان،
و تروي بالحياة شجرا من السنديان،
و تعد بالنماء براعم من زهر الرمان،
و تشجي المشتاق بتغريد الكروان،
فيها الشادن و الرشا و الغزلان،
فيها الظباء و الريم سيان،
و المها بعيون الإمتنان،
و فيها طير السمان،
و سلوى العرفان،
و شطئان،
و شتان...
بينها و بين البستان،
فهي أقرب إلى الجنان،
ففي طلبها العسر قد بان،
فما كانت هي أبدا للجبان،
عنه تمنعت بين رمل الكثبان،
و تحصنت بين جبال من الوجدان،
يفصله عنها بحور و فوهة بركان،
و من حصى الأرض عتيد الجدران،
بالصد تختبره ففيه للخلق إمتحان،
و بالهجير تلفحه لتخبر الفرسان،
لوحيش الأرض تطلق العنان،
لتصغي لصدى الأشجان،
إن كان من الشجعان،
أو به يستهان،
أو بهتان،
دانٍ...
منها مقدم ولهان،
رحالة بين برِّ البلدان،
العزم عنده ليس له إسمان،
و المنون ليست في الحسبان،
فمن حمائم الأمل يحوطه سربان،
يمتطي صهوة حصان بني غسان،
و يحمل قوس عرب بني عدنان،
و سيفا من يمن بني قحطان،
و نسبا يمتد لبني يقطان،
ليصل لأرض هامان،
و مغرب الزمان،
مر بهمدان...
و جاوز حد أصفهان،
و وصل إلى حد الريان،
و حط حينا بأرض عمان،
و رسى تارة في حقل بيسان،
و سنى تحت صومعة حسان،
و أطل حتى على مدينة ميسان،
و عبر في الدجى بوادي الجان،
بين شهري أبريل أو نيسان،
عنده هما أصلا يستويان،
فما كانا إلا كلمتان،
ترتبطان بالآن،
فما كان...
ليهمّه الزمان،
بل همه لقيا الجنان،
و الإرتواء من الألحان،
على وقع من عزف الكمان،
فيها للخاطر سكينة و ضمان،
و فيها بلسم لصريع حس ندمان،
و خير دواء لعابر سبيل الأحزان،
الأمل فيها ينير وهج الشمعدان،
و الوفاء بصلابة من الصوان،
من ثراها جعل له العنوان،
فأهلها بعض من الكيان،
حيث يجمعهم الحنان،
بين الأخضران،
هي أمان...
يشرق فيه الأزهران،
و يستوي فيه الأبردان،
و يشع من بينه الحجران،
ليخلب لبّا من السوداوان،
بحكمة من العاطران،
يطيب ألم الماضيان،
و يسكت اللسانان،
ليهدي بالفرقدان،
مع لإمتنان،
فكان... 