سعيد
كان الجو ماطرا والبحر هادرا بأمواج عاتية داكنة اللون
لم يثن ذلك من عزيمة خفر الشواطئ المرابض على الحدود بين ضفتي المتوسط
بدأ الخفر جولتهم المعتادة كل صباح بعد أن تبادلوا المواقع مع فريق الليل
وانطلقت زوارقهم تمخر عباب البحر الغاضب،
بحثا عن صيد جديد ممن يحلمون بالهجرة عنوة للضفة الشمالية
كانت الأوامر واضحة بمنع العابرين من المرور وعدم إيذائهم
...
لم تمض سوى بضع دقائق وإذا بزورق بسيط يستنجد بمن فيه
كل منهم يحاول التشبث بما أوتي من قوة بما تبقى من حطام الزورق
لامتاع لهم ولامعدات تقيهم الغرق والبرد القارص
شباب وفتيات في عمر الزهور من جنسيات وألوان مختلفة تكدسوا في القارب
ثم تناثروا بهزة عنيفة رجت الزورق وقلبته رأسا على عقب
...
لم يجد المسعفون أي أوراق ثبوتية لهويات الغرقى
بالكاد استطاعوا إنقاذ اثنين منهم آملين أن يمدوهم بمعلومات عن البقية
دون جدوى، فمن شروط مغامرة الهجرة هاته ألا يعلم المهاجرون شيئا عن بعضهم البعض ولا عن سماسرة الأحلام
الذين يجهزون لهم الرحلة...ثم الصمت المطبق إزاء أي استنطاق إن فشلت المغامرة
...
أعاد أحد المسعفين تفتيش جيوب الغرقى وتفحص سحناتهم
ليجد رسالة طويت بعناية وحفظت في كيس بلاستيكي ثم ألصقت بصدر أحد الشباب
( إسمي سعيد، بلدي ....، إن وجدتم هذه الرسالة فهذا يعني موتي
أبلغوا أمي وحبيبتي أنني حاولت أن أجعلهما أسعد الخلق وأنني آسف لدموعهما، العنوان ....)
لم يستطع المسعف قراءة العنوان لأن مياه البحر غمرت أجزاء كبيرة من الرسالة
أم أحمد
-ألو ...ممكن أكلم الدكتور لو سمحت ؟
-تفضلي يا ...(كنترول) ...أم محمد، ما مشكلتك سيدتي ؟
-أم أحمد يا أستاذ، ماذا أقول لكم ؟ هئ هئ ...والله أنا سيدة في الأربعين من عمري، تزوجت برجل من بلد بعيد عن بلدي،
أحببت فيه الوفاء لزوجته العاقر ورضيت أن أكون الزوجة الثانية، ثم رزقني الله بأربعة أبناء...
-إختصري يا أم أحمد لو سمحت، فوقت البرنامج لايسمح بالإطالة.
-حاضر حاضر ...المهم زوجي مزواج تزوج علي عشر نساء من بلدان عربية مختلفة،ويتعلل أنه لا يريد الوقوع في الزنا...
- عذرا على المقاطعة أم أحمد،(يبتسم المذيع والضيف) يبدو أن زوجك نجح في أمر فشلت فيه الجامعة العربية ...!!!
-هو لايظل مع الواحدة منهن سوى ستة أشهر ولم ينجب منهن، لكنه ينفق عليهن أموالا طائلة، أنا وأولادي أحق بها
لقد اعتنيت به في مرضه ولازلت أعتني بزوجته الأولى ووالدته...وهو يعترف لي بالفضل
-ماهو المشكل يا أم أحمد ؟
-المشكل أنه يريد الزواج من فتاة تحمل نفس جنسيتي !!! سمحت له بالزواج من أخريات
لكن الآن لا وألف لا !!! ...
شريفة
استيقظت على طرق خفيف للباب
-من الطارق ؟
-خدمة الغرف سيدتي، فطورك جاهز
-سيدتي ؟؟؟ ...دعه قرب الباب سآخذه بعد قليل
انتبهت الفتاة أنها وحيدة في غرفة فارهة، قامت فزعة من السرير واتجهت صوب الحمام
طالعها في المرآة وجه متعب، خطت الدموع السوداء وجنتيه
وذاب أحمر الشفاه عن شفتين مرتعشتين
-ماذا أفعل هنا بحق السماء ؟ تساءلت محاولة تذكر ماحدث بالأمس
فجأة ظهرت لها ورقة صغيرة معلقة بطرف المرآة
(صغيرتي ...لابل فاتنتي، ستحصلين على أعلى الدرجات كما وعدتك
أتمنى أن تكون بيننا لقاءات مماثلة قريبا ...
أستاذك المتيم )
سلملم للجميع