زوجـة الأخ الميّتـة / بقلمـي
آخر
الصفحة
الربيع و الخريف

  • المشاركات: 11357
    نقاط التميز: 4961
مشرف سابق
كاتب قصصي في منتدى القصص القصيرة
الربيع و الخريف

مشرف سابق
كاتب قصصي في منتدى القصص القصيرة
المشاركات: 11357
نقاط التميز: 4961
معدل المشاركات يوميا: 1.6
الأيام منذ الإنضمام: 7113
  • 00:28 - 2009/03/31

 

الإهـداء .. إلى شهيد الكلمة الحُرة

إلى أب الأدب الفلسطيني..إلى غسّان

كنفاني .

في أحد الأحياء المكتظّة بالبشر , كان يعيش هو و أمه و أخيه و زوجة أخيه في شقة صغيرة , تحتلُ الدور الثالث من عمارة قديمة متهالكة . لقد كانت تلك الشقة تضمّ بين جدرانها غرفتين للنوم , سكن إحداهما أخيه الأكبر و زوجته , و الأخرى كانت للعجوز , أما هو فقد كان ينام في الصالة التي تقابل المطبخ و على مقربة ٍ منه تقع حجرة المرحاض . و كان يتعيّن عليه الإنتظار أمام الباب كلما أراد أن يقض ِ حاجته . لكن صبره قد بدا ينفد مع مرور الوقت , حيث صارتْ حجرة المرحاض تُشغلُ على الدوام , و لم تعدّ تُقتصر فقط على قضاء الحاجة , فهذه العجوز تريد الإغتسال , و أخيه صباحاً يحلق ذقنه , و زوجة أخيه تريدُ غسيل الثياب . حتى وصل به الأمر إلى أن يتأخّر عن وظيفته لمثل هذا الأمر التافه , لكن الأيام أثبتت أنه ليس بالأمر التافه الهيّن .

 

 

و قد حدث ذات مرة , أن كُسِرَ القفل الداخلي لباب المرحاض , لكن أحداً من سكّان البيت لم يُعنَ بالبحث عن حل لهذه المشكلة , أو كأن هذا الأمر لم يكن مشكلة من الأصل , و ما أن انقضَ المزيد من الوقت حتى اعتادَ أهل البيت الفراغ الذي خلفّه القفل في طرف الباب , و صارَ أن يتمّ ردّه و حسبْ . بما أن الذي يقف خلف الباب , يعي ضمناً من الخشخشة الحاصلة , أن أحدهم ما زال في الداخل .

 

 

إلى هذه اللحظة , أكاد لا أصدق ماذا جرى في تلك الليلة بالضبط . لقد استيقظتُ في ساعة متأخّرة من تلك الليلة على ألم شديد في معدتي . و لم أمهل نفسي الكثير من الوقت حتى وجدتني اسحبُ مقبض باب المرحاض إلى الأسفل , و اندفعتُ سريعاً للداخل . لم يأت ِ للحظة على بالي أن أجدَ أحداً هناك في تلك الساعة , بل في تلك اللحظة بالذات . لقد كان أمراً مروّعاً أن أجد زوجة أخي متجرّدة تماماً من الملابس . و لم أدرك ذلك إلا و قدمي قد تعدّت العتبة و صارت في قلب الحجرة . و لا أذكر إلا أنني سحبتُ رأسي و ألقيته على كتفي و يدي لا تزال تمسّك بالمقبض . لا أعرف ماذا حدثَ بعد ذلك إلا وجدتُ نفسي أعدو كالمجنون حتى انتهى بي المطاف مُلقىً على الفراش , أحاولُ ما استطّعتُ مصارعة طيف جسدها العاري , و العرق لا يزال ينزّ من كل خلية ٍ في جسدي .

 

ظننتُ للوهلة الأولى , أن ذاك لم يكن إلا كابوساً انتهى بمضيّ تلك الليلة , لكن شيئاً من ذاك القبيل لم يتحقق . بل صِرتُ ما استطّعتُ اتحاشى النظر في عينيها , و عندما يصدِفُ أن يلتقي لسانينا . لا يتعدَ الحِوّار اللهجة المقتضبة و القصيرة , فيما أروحُ أنا أتأمّل أي شيء دون النظر إليها . و حينما يجلسُ أخي و أمي يرتشفان الحساء على مهل و دون مبالاة , يكون في اللاوعي يتشكّل عملاق يحومُ في الجو مطبقاً بكفّه الكبيرة على صدرينا فقط !

 

لكم كانت تلك اللحظات .. لحظات ثقيلة . سعيتُ جاهداً فيما بعد للتقليل منها , على أمل أن يَحِطّ النسيان بجناحيه و يخطف تلك اللحظة المشؤومة بعيداً .

 

و كان أن صِرتُ أقضيّ أكثر يومي خارج البيت , و لا أعودُ إلا متأخراً . لكن ذاك لم يدمْ أكثر من شهر ٍ واحد , حيثُ زادتْ نفقاتي , و لم تنفع مساعيّ في خروج زوجة أخي من تلك الحالة التي تلبسّتها . و قد لاحظتُ عليها إصفرار وجهها و استمرار جسدها في الهَزل , و لم تعد تتكلم كثيراً . حتى حركتها خفّت . و انتهتْ طريحة الفراش , و منذُ هذه اللحظة بدأتْ معاناة أخي مع الأطباء و بدأتْ أيضاً معاناتي . لقد صار يتداخلني و يساورني شعورٌ بالذنب و أنني المسؤول الأول عمّا جرى , فماذا لو أنني فَطِنتُ لإمكانية وجود أحدهم داخل الحجرة . كيف حدث ذلك ؟

كيف ؟

 

 

 زوجـة الأخ الميّتـة / بقلمـي
بداية
الصفحة