اصول سماع الشهادة في المواد المدنية والتجارية
المحامي فايز كناكريه
المقدمة
الاثبات اداة يتحقق بها الخصوم من الوقائع القانونية التي يعتمدها القاضي وفق سلطته التقديرية بالاستناد الى احكام القانون والنظام العام، وللاثبات اهمية بالغة عندما يكون امام مجلس القضاء لما فيه من تأكيد لحق متنازع فيه له اثر قانوني بالدليل الذي اباحه القانون لاثبات ذلك الحق، ويمكن تعريف الاثبات بانه تكوين قناعة القاضي بخصوص وجود او عدم وجود واقعة قانونية تتعلق بموضوع النزاع، ولما كان محل الاثبات هو الواقعة القانونية أي انه يجب اثبات مصدر الحق المتنازع عليه عندما يطالب المدعي بحماية حق او مركز قانوني معين، فانه يجب بيان الحق الذي يطلب حمايته ويتطلب ذلك وجود قاعدة قانونية تحمي المصلحة التي يدعيها المدعي ومن ثم اثبات وقائع معينة تنطبق عليها القاعدة القانونية .
اما عبء الاثبات فيقع على الخصوم لان البينة من حق الخصوم وهم مكلفون باثبات الوقائع التي تصلح للاثبات وهو مبدأ يرجع الى ان تدخل القاضي اذا كان لاحد طرفي الدعوى فانه يخل بالمساواة فيما بينهما، بالاضافة الى ان الخصوم اقدر من القاضي على توجيه ادلة الدعوى لغايات اثبات الوقائع التي يتمسكون بها، وان المكلف باثبات الواقعة من الطرفين هو من يدعيها .
ووسائل الاثبات كما وردت بقانون البينات رقم (30) لسنة 1952 تنقسم الى عدة وسائل هي: الادلة الكتابية، الشهادة، القرائن، الاقرار، اليمين، المعاينة والخبرة، وبما ان القاعدة في الاثبات ان يكون بالكتابة الا ما استثناه المشرع لاسباب معقولة او لتعذر الحصول على الكتابة، فقد جاءت الشهادة في المرتبة الثانية من بين ادلة الاثبات، وذلك للعيوب التي قد تعترى الشهادة من محاباة وانتقام ورشوة وفساد ذمة وكذب ومبالغة، او مجرد خطأ او نسيان او عدم دقة الملاحظة او اشتغال الذهن بأمر اخر، وكثيراً ما تختلف اقوال الشهود عن حادثة عقب حودثها ولو انهم لا يقصدون الا قول الحق .
ولما كانت الكتابة تحصل في وقت لا نزاع فيه وتتقرر فيها الحقائق على طبيعتها، فعند تقديمها للقضاء تنطق بتلك الحقائق التي سبق اثباتها بدون غرض او خطأ او نسيان، كالشهود الذي يسمعون عند النزاع، ولذلك يتقيد القاضي بالكتابة ما لم يثبت انها مزورة او يثبت عكسها بالكتابة، اما شهادة الشهود فان للقاضي مطلق الحرية في تقديرها .
وقد افرد قانون اصول المحاكمات المدنية جانباً من مواده لبيان الاجراءات الواجبة الاتباع في الاثبات، بحيث نظم ووضع قواعد اجرائية بهذا الخصوص لتكون بمثابة المنظم للقواعد الموضوعية التي تحدد طرق الاثبات، وقيمة كل طريقة ومحل الاثبات فقد وضع هذا القانون قواعد اجرائية تبين فيها الاجراءات التي يجب اتباعها عند سلوك سبل الاثبات المختلفة امام القضاء ومنها الاجراءات الخاصة بالشهود والتي نظمها في المواد (80-81) منه .
لهذا، فقد تناول هذا البحث في موضوعة تلك الاجراءات المتعلقة بشهادة الشهود، والتي نظمها قانون اصول المحاكمات المدنية، من خلال اربع فصول، جاء الفصل الاول فيها ليتحدث عن دعوة الشاهد والفصل الثاني تحدث عن اداء الشهادة، اما الفصل الثالث فقد تناول موضوع سماع الشهادة في دعوى اصلية واخيراً جاء الفصل الرابع ليس علاقة القواعد الموضوعية للشهادة بادائها .