إلى الهواء ..
قد يستطيع الجَسد العيش من دون ماء , من دون غذاء
لكنه يختنق إن حُبِسَ عنه الهواء .
الإهـداء .
إليك حبيبتي .. إليك غزّة
ـــــــــــــــــــ
في غرفة ما مساحتُها قرابة ثلاثمئة مليون كم2 , و على أحد جدارنها الستّ تتوسّد نافذة مُشرعة إلى الهواء مَرقدها من الوجود ,
تطلُ عبر إحدى عينيها إلى الفضاء الرحب , و من الأخرى إلى داخل الغرفة تتوقُ إلى ضوء الشمس , فتبقى مُشرعة و تخافُ
على أهلها في الداخل من قيظ الطبيعة فترغم نفسها على الإنسداد بكبرياء إمرأة حُرّة .
الغرفة تخلو من الصور أو من التُحف الفنيّة المنمّقة , يجلسُ في وسط الحائط المقابل للنافذة إنسان سميّن مُتخم يتشجأ بين الفينة و
الأخرى , و تحولُ قيوده المنسدلة إلى ثقوب في الجدار تأخذُكَ إلى ما وراء الجدار المقابل للنافذة المُشرعة المُطلة على الهواء .
يتسربُ الضوء بشاعريّة و موسيقيّة منحوتة بأوتار دقيقة مشدودة و بقوّة إلى الأعلى و الأسفل من الجيتار الكونيّ المتمثل بحفيف
الشجر , بأزيز صرصار الليل الذي لا ينامُ عادة ً , بخرير نبعة صغيرة مركونة في آخر الحوش التي تطلُ إليه النافذة و لا تسأمُ من
مناداة ذلك السميّن لو أنه يشاركها قهوة الصباح , شِعرُ المساء الصيفيّ , وجبة غذاء خفيفة في أواخر حزيران , رسمة للبحر
يرسمان .. آه لو يرسمان قارب و عليه يتشابك البّحارة الصغار أيّن منهم يصعد إليه أولاً .
يشخرُ السميّن , ينامُ ثم يفيق , ثم تعودُ له نوبة السهو فيشتدُ غيظ النافذة لكنها لا تصرخ , لا تستنجد , تكتمُ في عِبّها في خِدرها
في صَدرها , في جيوبها الزجاجية , في صليبها الخشبيّ المتعامد مع صليب ٍ آخر اخترعوه , ضالّون هم , اخترعوه مغضوبٌ عليهم
هم , مُكبلةٌ هي مثلُ سمينها لكنها مفتوحة ٌ إلى السماء .
و في يوم ٍ ما , تاهت فيه النوارس عن الأفق , و في يوم ٍ ما تسلل إلى الحوش سمسار قال عن نفسه أنه بحّار يريدُ أن يتنعم بماء
النبعة , يستحمُ به , يتعمّدُ به كونه نصارنيّ . لم تمانعه النافذة تعشق الأرض , و تصونُ العرض و تكرهُ فسفاطائيّة المتحذلقين , أما
سمينها المخلود في بقعة النوم الأسود كان لا يزال يشخر .
ضربتْ العاصفة , و خانت سحب آيّار جيوشاً ضاعت وسط الإعصار !
بقلمـي