اقترب حلول عيد الأضحى كثيرا ، أصوات أكباش الجيران تهز أرجاء المكان باستثناء منزل "السي احمد" الذي يطبق عليه صمت شديد، وجوم رهيب يعم أفراد الأسرة، وبالأخص "السي احمد" الذي لا يكف عن التفكير أبدا ...من أين له المال اللازم لشراء كبش العيد وهو عاطل عن العمل لمدة ليست باليسيرة،حتى المدخول القليل الذي يجنيه من وراء كراء دار العائلة القديمة والذي يقتسمه مع إخوته بالكاد يعيل به أفراد أسرته...
مازال الرجل مغرقا في التفكير وسط بحر الحيرة والسؤال ، تقذفه فكرة وتعاوده الأخرى..مازالت مقلتاه تدوران في جحرهما وآلاف الأسئلة الشاردة تغزوا وجدانه..فجأة..لمعت عيناه ببريق غريب...قام من مكانه ،ابتسم ابتسامة غامضة متسائلا :"كيف لم تخطر هاته الفكرة ببالي من قبل " ؟
نادى ابنه الأكبر "منير"..ثم عرض عليه الفكرة اللتي ازهرت من بين بنات أفكاره وأراد لها أن تتجسد على أرض الواقع...لكن الإبن سخر منها، بل ظن أن أباه يمازحه ،أصر الأب على ابنه أكثر وأكثر فاستيقن هذا الأخير أن الأمر شر مهول لا مناص منه..وسط تهديدات أبيه الشديدة اللهجة اضطر أن يوافق مكرها على مسايرة أبيه فيما يريده منه...تتلخص الفكرة في أن يوثق الأب ابنه ثم يصعد به إلى أعلى الجبل ويحاول ذبحه فتأتي الملائكة لتفديه بذبح عظيم..كانت حقا فكرة مجنونة كجل الأفكار اللتي تراود "السي احمد" ، ربما انطلقت من بين براثن لا وعيه فأراد لها أن تتلون بصبغة الواقع لتجلي حلكة ومرارة الحال ..هكذا قرر الرجل وبنفس وتيرة قراره صعد إلى قمة الجبل رفقة ابنه المغلوب على أمره..بقيت الآن الخطوة الأخيرة..محاولة ذبح الفتى على أمل الحصول على كبش حنيذ..قرب الأب السكين من حنجرة ابنه ، فارتعدت أطراف هذا الأخير..فهو يعلم تمام العلم أن أباه ليس بحكمة ولا رجاحة عقل سيدنا "إبراهيم " كما يوقن أن زمن المعجزات قد ولى وإن بقي منها شيء فأكيد لن يحدث قطعا على يد أبيه..فجأة..دوى صوت جهوري اخترق سكون المكان قائلا :" توقف" ، فرح " السي احمد" فرح شديدا وعاود الكرة مرة ثانية فسمع نفس الكلمة من المصدر ذاته..ازدادت نبضات قلبه خفقانا فعاود المحاولة مرة أخرى لعل الملائكة تبرز من خلال الأفق حاملة معها كبش الفداء...لحظة..هناك شخصا ما قادم من وراء صخرة عظيمة فوق الجبل..بدأت ملامحه تتضح شيئا فشيئا..إنه...رجل طويل القامة،كثيف الشعر يرتدي ملابس غريبة ..يحمل معه ..زجاجة..زجاجة خمر على مايبدوا ويردد بصوته الأجش :" توقف أيها الأحمق ، أتريد أن تضحي قبل الجميع والإمام لم يضح بعد !!
