كان نحيفاً أكثر من اللازم , جاحظ العينين , محمر الوجنتين .. بشارب كث و ذقن غير حليقة , و شعر متناثر إلى حيث لا تدري فروة الرأس
هكذا كان .. و عندما طرقَ الباب , سمع صوت عذب لم يلبث أن اختفى دون إنذار مُسبق .. فتسائل بعفوية
ماذا كان ذاك ؟ , و لكنه عاد إلى النفيّ و ألقى بذلك لبعض الأوهام و الشرود المستمر الذي يصيبه
فُتح الباب بعد فترة ليست قصيرة .. و نطقَ الشخص الذي يقف على الباب بصوت لا يُكاد أن يسمع :
- تفضل ..
فاشتاظ غضباً و أطلق حشرجة مزلزلة
- ما بك تهمس !؟
ردّ الذي على الباب : لأول مرة , أشعرُ أنك لستَ أنت !
هذا الذي يرتدي جسدك و يتحدث بلسانك لستَ أنت !
لا تحاول أن تنفي ما أقول !
لا تحاول أن تراوغ .. اليوم هو ليس أنت و أنت ليس هو !
لا أدري أين ذهبتَ أنت و تركتَ لي هذا الجسد المُنهك المرميّ
بعشوائيّة مُبهمة .. أظنك تعبتَ يا ولدي , أليس كذلك
قلتُ لك لا تقترب و لكنك مشاكس عنيد و مغامر إلى حد الثمالة !
قلتَ لك إن ما يجري في الورق انسه .. انسه أيها المنسيّ انسه
كلام على ورق يا ولدي .. سأقول لك مثلما قالت قارءة الفنجان لنزار
أو مثلما قال أدونيس للسيّاب .. أو .. دعْ منك هذه الأو ليست لك
- إذن لمْن ؟
لشخص كان يقف على الشرفة التي كنتَ تبكي تحتها ذات يوم !
- أبكي !؟ و منذ متى كنتُ ضعيفاً ؟
يا ولدي , البكاء ليس ضعفاً !
- لا , ضعف و ألف ضعف !
لا تُعاند , قلتَ لك لا تُعاند .. المهم أنها لهُ
- لمن ؟
ما بك ألم تعد تسمع ؟ , للإنسان الذي كان يقف على حافة النافذة المطلة على الزقاق التي اختبئتَ بها للبكاء ..
- و ما شأنه ؟
ليس شأنك هذا
- قلتُ لك س ..
ها كعادتك متردد ! , صغير و طائش ..
- لا , أنا لستُ كذلك .. أنا س ..
ستعيد " س " .. . هل تعرف ؟ , سأقترح عليك أن تتبرع ب سهسهاتك للبنك العالمي للسهسهات
قد يكون لها فائدة هناك !
- حتى أنتَ , إذن واحد على سبعة عشرة ألف ٍ و خمسمئة و ثمانين طير جارح !
و لمّا كان بينهما النقاش قد احتدم .. ضحك الأخير ضحكة سخرية و اختفى في الزقاق مجدداً يبكي !